ولما كان قولهم هذا مع أنه استعجال بأمر الساعة استهانة بها حتى أنه عندهم كأنها من قبل الوعد الحسن وهو متضمن لإيهام أنها مما يطلع [الخلق - ] على تعيين وقته، نفى ذلك بيانا لعظمتها بعظمة من أمرها بيده فقال آمرا له بجوابهم مؤذنا بدون ذلك الإعراض لأنهم لا ينكرون علمه تعالى ذلك الإنكار:
قل يا أكرم الخلق منبها لهم على تحصيل اليقين بأن ما علموه وحكموا بعلمهم فيه وما لا
[ ص: 264 ] ردوا علمه إلى الله:
إنما العلم أي المحيط من جميع الوجوه بما سألتم عنه من تعيين زمان هذا الوعد وغيره، ولأجل إظهار فضل العلم اللازم من كماله تمام القدرة صرف القول عن عموم الرحمة إلى إفهام العموم المطلق بالاسم الأعظم فقيل:
عند الله أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال، فهو الذي يكون عنده وبيده جميع ما يراد منه، لا يطلع عليه غيره، وهيبته تمنع العالم بما له من العظمة أن يجترئ على سؤاله عما لم يأذن [فيه- ] ، وعظمته تقتضي الاستئثار بالأمور العظام، وإلى ذلك يلوح قوله تعالى:
وإنما أنا ولما كان السياق للتهويل والتخويف، وكانت النذارة يكفي فيها تجويز وقوع المنذور به فكيف [إذا - ] كان مظنونا فكيف إذ كان معلوم الوقوع في الجملة ليكون العاقل متوقعا له في كل وقت قال:
نذير أي كامل في أمر النذارة التي يلزم منها البشارة لمن أطاع النذر لا وظيفة لي عند هذا الملك الأعظم غير ذلك، فلا وصول لي إلى سؤاله عما لا يأذن لي في السؤال عنه.
ولما كان النذير قد لا يقدر على إقامة الدليل على ما ينذر به لأنه يكفي العاقل في قبوله غلبة الظن بصدقه بل إمكان صدقه في التحرز
[ ص: 265 ] عما ينذر به، بين أنه ليس كذلك فقال:
مبين أي كاشف للنذري غاية الكشف بإقامة الأدلة عليها حتى تصير كأنها مشاهدة لمن له قبول للعلم.