ولما فرغ من توبيخهم؛ قال - معللا -:
إن الله ؛ أي: الذي له كل كمال؛ فهو الغني المطلق؛
لا يظلم ؛ أي: لا يتصور أن يقع منه ظلم ما؛
مثقال ذرة ؛ أي: فما دونها؛ وإنما ذكرها لأنها كناية عن العدم؛ لأنها مثل في الصغر؛ أي: فلا ينقص أحدا شيئا مما عمله؛ ولا يثيب عليه شيئا لم يعمله؛ فماذا على من آمن به؛ وهو
[ ص: 282 ] بهذه الصفة العظمى؟
ولما ذكر التخلي من الظلم؛ أتبعه التحلي بالفضل؛ فقال - عاطفا على ما تقديره: "فإن تك الذرة سيئة لم يزد عليها؛ ولا يجزي بها إلا مثلها" -:
وإن ؛ ولما كان تشوف السامع إلى ذلك عظيما؛ حذف منه النون؛ بعد حذف المعطوف عليه؛ تقريبا لمرامه؛ فقال:
تك ؛ أي: مثقال الذرة؛ وأنثه لإضافته إلى مؤنث؛ وتحقيرا له؛ ليفهم تضعيف ما فوقه؛ من باب الأولى؛ وهذا يطرد في قراءة الحرميين؛ برفع حسنة ؛ أي: وإن صغرت؛
يضاعفها ؛ أي: من جنسها؛ بعشرة أمثالها؛ إلى سبعين؛ إلى سبعمائة ضعف؛ إلى أزيد من ذلك بحسب ما يعلم من حسن العمل؛ بحسن النية؛
ويؤت من لدنه ؛ أي: من غريب ما عنده؛ فضلا من غير عمل؛ لمن يريد؛ قال
الإمام: "وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادات الجسمانية؛ وهذا الأجر إلى السعادات الروحانية"؛
أجرا عظيما ؛ وسماه أجرا - وهو من غير جنس تلك الحسنة - لابتنائه على الإيمان؛ أي: فمن كان هذا شأنه؛ لا يسوغ لعاقل توجيه الهمة إلا إليه؛ ولا الاعتماد أصلا؛ بإنفاق وغيره؛ إلا عليه.