ولما كان لا يقدر على التعميم [بالنعمة - ] إلا من كان عام القدرة والنعمة والرحمة، وكان التذكير بالنعم أشد استعطافا، صرف القول إلى التعبير بما هو صريح في ذلك، فقال مذكرا بذلك لعلمهم بأنه لا نعمة عليهم إلا منه واعترافهم بذلك ليحذروه ويتذكروا عموم قدرته فيعلموا [قدرته - ] على البعث فينفصل النزاع:
قل يا خير الخلق:
هو أي الله وحده
الرحمن أي الشامل الرحمة لكل ما تناولته الربوبية، فلا يليق بعقل عاقل أن يدع أحدا من خلقه في ظلم ظالمه فلا يأخذ له بحقه، لأن ذلك لا يرضاه أقل الناس لنفسه مع عجزه فكيف بمن هو كامل القدرة وإلا لما قدر على عموم الرحمة
آمنا به [ ص: 270 ] أي أنا ومن آمن بي لهذا البرهان القاطع بأنه لا يكافئه شيء فهو كاف في الإيمان به
وعليه أي وحده
توكلنا لأنه لا شيء في يد غيره وإلا لرحم من يريد عذابه أو عذاب من يريد رحمته، فكل ما جرى على أيدي خلقه من رحمة أو نقمة فهو الذي أجراه لأنه الفاعل بالذات، المستجمع لما يليق به من الصفات، فنحن نرجو خيره ولا نخاف غيره، وقد أقررنا له بهذه العبارة على وجه الحصر بالألوهية والربوبية فلا نحتج في السلوك إليه إلى معوق عن ذكره والتفكر في آلائه ولو كان المعوق نفيسا في ظاهر الحياة الدنيا ولو كان مخوفا فإنه لا خوف معه سبحانه، فالتوكل عليه منجاة من كل هلكة مجلبة لكل ملكة، ولم يفعل كما تفعلون أنتم في توكلكم على رجالكم وجاهكم وأموالكم.
ولما أبان هذا طريق الصواب، وجلى كل ارتياب، وكان لا بد من الرجوع إليه والانقلاب، لإتمام الرحمة بالثواب والعقاب، سبب عنه قوله:
فستعلمون أي عند التجلي عليكم بصفة القهر عما قليل بوعد لا خلف فيه
من هو أي منا ومنكم متداع بذاته ظاهرا وباطنا
[ ص: 271 ] في ضلال أي أخذ في [غير - ] مسلك موصل إلى مقصد محيط به الضلال بحيث إنه لا قدرة له على الانفكاك منه إلا إن أطاع من يجره بيده فيخرجه منه، ولما كان الشيء إذا كان فيه نوع لبس كان ربما اقتضى قبول العذر قال:
مبين أي بين في نفسه موضح لكل أحد أنه لا خفاء به.