ولما ذكر مكرهم وما أظهروا من قولهم، عطف عليه ما توقع السامع من أمره [ فقال-] :
وقد أضلوا أي الأصنام وعابدوها بهذه العبادة
كثيرا من [ عبادك -] الذين خلقتهم على الفطرة السليمة من أهل زمانهم وممن أتى بعدهم فإنهم أول من سن هذه السنة السيئة فعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولما كان التقدير: فلا تزد الظالمين إلا خسارا، عطف عليه قوله مظهرا في موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف:
[ ص: 452 ] ولا تزد الظالمين أي الراسخين في الوصف الموجب لأن تكون آثار المتصف به كآثار الماشي في الظلام [ في -] وقوعها مختلة، شيئا من الأشياء التي هي فيهم
إلا ضلالا أي طبعا على عقولهم وقلوبهم حتى يعموا عن الحق وعن جميع مقاصدهم الفاسدة الضالة الراسخة في الضلال فلا يكون منها شيء على وجه يكون فيه شيء من سداد، وكان هذا بعد أن أعلمه الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، والكلام عليه على كل حال كالكلام على دعاء
موسى وهارون عليهما وعلى
محمد أفضل الصلاة والسلام في الشد على [ قلوب -]
فرعون وملئه لئلا يؤمنوا في حال ينفعهم فيه كما مضى في سورة
يونس عليه السلام، وقد بالغ
ابن عربي في المروق من الدين فقال في فصوصه: إن هذا الدعاء حسن في حقهم، وقال: إن الضلال أهدى من الهدى، وإن الضال أحسن حالا من المهتدي، لأن الضال لا يزال قريبا من القطب المقصود دائرا حوله، والمهتدي صاحب طريقة مستطيلة، فهو يبعد عن المقصود، فأبان أن الله تعالى لم يخلق خلقا أسفه منه إلا من اتبعه عليه وعلى من ينحو نحوه من الضلال الذي لا يرضاه عاقل من عباد الأصنام الذين لا أسفه منهم ولا غيره، فعليهم أشد الخزي واللعنة.
[ ص: 453 ]