ولما أتم الخبر عن إغراقهم، وقدمه للاهتمام بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في إجابة دعوته تحذيرا للعرب أن يخرجوا رسولهم صلى الله عليه وسلم [ فيخرجوه -] إلى مثل ذلك، عطف على قول
نوح عليه السلام من أوله قوله عندما أخبره تعالى أنهم مغرقون وأنه لا يؤمن منهم إلا من قد آمن بعدما طال بلاؤه بهم حتى أن كان الرجل ليأتي بابنه إليه فيقول له: احذر هذا أن يضلك، وإن أبي حذر به، وكانت صيغة العموم ليست بنص في أفرادها أبدا، استنجازا لوعده وتصريحا بمراده:
وقال نوح وأسقط الأداة كما هي عادة أهل الحضرة فقال:
رب لا تذر أي تترك بوجه من الوجوه أصلا ولو على أدنى الوجوه
على الأرض أي كلها من مشرقها إلى مغربها وسهلها وجبلها ووهدها
من الكافرين [ ص: 457 ] أي الراسخين في الكفر الذي هو كان لهم جبلة وطبعا
ديارا أي أحدا يدور فيها، وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي العام فيقال من الدور أو الدار لا فعال، وإلا لكان دوارا، ويجوز - وهو أقرب - أن يكون هذا الدعاء عند ركوبه السفينة وابتداء الإغراق فيهم، يريد به العموم كراهية أن يبقى أحد منهم على ذروة جبل أو نحوه، لا أصل الإغراق، وأن يكون معنى ما قبله الحكم بإغراقهم وتحتم القضاء به أو الشروع فيه.