ولما كان من المعلوم أن هذا شيء لا مثنوية فيه، وكانت الرتب التي دون شريف رتبته سبحانه كثيرة جدا لما له من العلو المطلق وكان ما يليها له حكم شرفها وحقيقها، وكان أول ذلك البلاغ منه سبحانه بلا واسطة [ ثم البلاغ بواسطة -] ملائكته الكرام منه، استثنى من "ملتحدا" على طريق [ لا -] ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ففروا إلى الله [ فقال-] :
إلا بلاغا أي يبلغني كائنا
من الله أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما، ولكنه لسعة رحمته يجري الأمور على ما يتعارفونه في أنه لا يأخذ أحدا إلا بحجة يعترفون بأنها حجة. ولما بين الرتبة الأولى التي هي أعلى، أتبعها التي تليها فقال:
ورسالاته التي أوحي إلي [ بها -] بواسطة الملك فإني أتلقى ذلك حق تلقيه بحفظه والعمل به فيكون، ذلك عاصما من كل سوء في الدنيا والآخرة.
[ ص: 497 ] ولما كان التقدير لبيان أن
الله شرف الرسل بأن أعطاهم عظمة من عظمته فجعل عصيانهم عصيانه، فيكون جزاء من عصاهم هو جزاء من عصاه سبحانه وتعالى لأنهم إنما يتكلمون بأمره، فمن يطع الله ورسوله فإن له جنة نعيم يكونون فيها مدى الدهر سعداء، عطف عليه قوله:
ومن يعص الله أي الذي له العظمة كلها
ورسوله الذي ختم به النبوة والرسالة فجعل رسالته محيطة بجميع خلقه في التوحيد أو غيره على سبيل الجحد
فإن له أي خاصة
نار جهنم أي التي تلقاه بالعبوسة والغيظ، ولما عبر بالإفراد نظرا إلى لفظ "من" لأنه أصرح في كل فرد، عبر بالجمع حملا على معناها لأنه أدل على عموم الذل فقال:
خالدين فيها وأكد المعنى وحققه لقول من يدعي الانقطاع فقال:
أبدا وأما من يدعي أنها تحرق وأن [ عذابها -] عذوبة فليس أحد أجن منه إلا من يتابعه على ضلاله وغيه ومحاله، وليس لهم دراء إلا السيف في الدنيا والعذاب في الآخرة بما سموه عذوبة وهم صائرون إليه وموقوفون [ عليه-] .