ولما كان في أمره هذا بما يفعل ما يشق جدا بما فيه من احتمال علوهم، أعلم بقرب فرجه بتهديدهم بأخذهم سريعا فقال:
وذرني أي اتركني على أي حالة اتفقت مني في معاملتهم، وأظهر في موضع الإضمار تعليقا للحكم بالوصف وتعميما فقال:
والمكذبين أي العريقين في التكذيب فإني قادر على رحمتهم وتعذيبهم.
[ ص: 19 ] ولما ذكر وصفهم الذي استحقوا به العذاب، ذكر الحامل عليه تزهيدا فيه وصرفا عن معاشرة أهله لئلا تكون المعاشرة فتنة فتكون حاملة على الاتصاف به وجارة إلى حب الدنيا فقال:
أولي النعمة أي أصحاب التنعم بغضارة العيش والبهجة التي أفادتهموها النعمة - بالكسر وهي الإنعام وما ينعم به من الأموال والأولاد، والجاه الذي أفادته النعمة - بالضم وهي المسرة التي تقتضي الشكر وهم أكابر قريش وأغنياؤهم.
ولما كان العليم القدير إذا قال مثل هذا لولي من أوليائه عاجل عدوه، قال محققا للمراد بما أمر به من الصبر من هذا في النعم الدنيوية بأن زمنها قصير:
ومهلهم أي اتركهم برفق وتأن وتدريج ولا تهتم بشأنهم.
ولما سره بوعيدهم الشديد بهذه العبارة التي مضمونها أن أخذهم بيده صلى الله عليه وسلم وهو سبحانه يسأل في تأخيره لهم، زاد في البشارة بقوله:
قليلا أي من الزمان والإمهال إلى موتهم أو الإيقاع بهم قبله، وكان بين نزول هذه الآية وبين وقعة
بدر يسير - قاله
المحب الطبري، وفيه بشارة له صلى الله عليه وسلم بالبقاء بعد أخذهم كما كان، وأنه ليس محتاجا في أمرهم إلى غير وكلهم سبحانه وتعالى بإلقائهم عن باله صلى الله
[ ص: 20 ] عليه وسلم وتفريغ ظاهره وباطنه لما هو مأمور به من الله سبحانه وتعالى من الإقبال على الله سبحانه، ففي الآية أن
من اشتغل بعدوه وكله الله إلى نفسه، فكان ذلك كالمانع من أخذ الله [له-] ، فإذا توكل عليه فقد أزال [ذلك المانع -].