ولما تقدم ما أشار إلى أن القيامة في غاية الظهور، أضرب عن هذا الإنكار فقال بانيا على ما تقديره: إنه لا يحسب عدم ذلك
[ ص: 90 ] لأنه من الظهور في حد لا يحتاج إلى كبير تأمل فلو مشى مع عقله عرف الحق:
بل يريد أي يوقع الإرادة
الإنسان أظهر في موضع الإضمار للتصريح بالتعميم لمقتضى الطبع الموجب له عدم الفكر في الآخر مع شدة ظهورها لأنه معني بشهواته فلا نجاة إلا بعصمة الله تعالى، وحذف مفعول "يريد" إشارة إلى أن كل ما يريده بمقتضى طبعه وشهواته خارج عن طوره فهو معاقب عليه لأنه عبد، والعبد يجب عليه أن يكون مراقبا للسيد، لا يريد إلا ما يأمره به، فإذا أراد ما أمره به لم تنسب إليه إرادة بل الإرادة للسيد لا له.
ولما كان ذلك، وكانت إرادته الخارجة عن الأمر معصية، قال معللا:
ليفجر أمامه أي يقع منه الإرادة ليقع منه الفجور في المستقبل من زمانه بأن يقضي شهواته ويمضي راكبا رأسه في هواه، ونفسه الكاذبة تورد عليه الأماني وتوسع له في الأمل وتطمعه في العفو من دون عمل، قال الحسن: المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه [ويقول: ما أردت بكلامي؟ وما أردت بأكلي؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه ] ولا يعاتبها. ويجوز أن يعود الضمير على الله تعالى ليكون المعنى: ليعمل الفجور بين [يدي -] الله تعالى
[ ص: 91 ] وبمرأى منه ومسمع ويطمع في أن لا يؤاخذه بذلك أو يجازيه بفجوره، قال في القاموس: والفجر: الانبعاث في المعاصي والزنا كالفجور.