ولما كان الإنسان يجري على ما "في طبعه" من النقائص فيغفل عما خلق له فتتراكم عليه ظلماته فيبعد عن علم ذلك إما بجهل بالحكمة أو بجهل بالقدرة، رحمه سبحانه بإعادة البرهان على المعاد بأمر يجمع القدرة والحكمة، وذلك أنه لا يجوز في عقل عاقل
[ ص: 116 ] أن صانعا يصنع شيئا ويتركه ضياعا وهو حكيم أو حاكم فكيف بأحكم الحكماء والحاكمين فقال منكرا عليه ظنه أنه يهمله سبحانه مع علمه بصنائعه المحكمة فيه، مقررا أحوال بدايته التي لا يسوغ معها إنكار إعادته لأنها أدل على أنه لا مانع منها أصلا، حاذفا نون الكون إعلاما بأن الأمر في هذه النتيجة العظمى ضاق عن أقل شيء يمكن الاستغناء عنه كراهية التمادي من الموعوظ على ما وعظ لأجله فيحصل له الهلاك، وإشارة إلى مهانة أصله وحقارته:
ألم يك أي الإنسان
نطفة أي شيئا يسيرا جدا
من مني أي ماء من صلب الرجل وترائب المرأة مقصود ومقدر من الله للابتلاء والاختبار مثاله المنية التي هي الموت
يمنى أي سبب الله للإنسان المعالجة في إخراجها بما ركب فيه من الشهوة وجعل له من الروح التي يسرها لقضاء وطره منها حتى أن وقت صبها في الرحم [انصبت -] منه بغير اختياره حتى كأنه لا فعل له [فيها -] أصلا، ولذلك بنى الفعل لما لم يسم فاعله،