ولما بين أن محط حال القاعد عن الجهاد الدنيا؛ علم أن قصد المجاهد الآخرة؛ فسبب عن ذلك قوله:
فليقاتل في سبيل الله ؛ أي: بسبب تسهيل طريق الملك؛ الذي له الأمر كله؛ وحفظ الناس عليه؛
الذين يشرون ؛ أي: يبيعون برغبة؛ ولجاجة؛ وهم المؤمنون؛ أو يأخذون؛ وهم المنافقون - استعمالا للمشترك في مدلوليه؛
الحياة الدنيا ؛ فيتركونها؛
بالآخرة ؛ ولما كان التقدير: "فإنه من قعد عن الجهاد؛ فقد رضي في الآخرة بالدنيا"؛ عطف عليه قوله:
ومن يقاتل في سبيل الله ؛ أي: يريد إعلاء كلمة الملك المحيط بصفات الجمال؛ والجلال؛
فيقتل ؛ أي: في ذلك الوجه؛ وهو على تلك النية؛ بعد أن يغلب القضاء والقدر على نفسه؛
أو يغلب ؛ أي: الكفار؛ فيسلم؛
فسوف نؤتيه ؛ أي: بوعد لا خلف فيه؛ بما لنا من العظمة المحيطة بالخير؛ والشر؛ والآية من الاحتباك:
[ ص: 327 ] ذكر القتل أولا دليل على السلامة ثانيا؛ وذكر الغالبية ثانيا دليل على المغلوبية أولا; وربما دل التعبير بـ "سوف"؛ على طول عمر المجاهد غالبا - خلافا لما يتوهمه كثير من الناس -؛ إعلاما بأن المدار على فعل الفاعل المختار؛ لا على الأسباب؛
أجرا عظيما ؛ أي: في الدارين؛ على اجتهاده في إعزاز دين الله - سبحانه وتعالى.
واقتصاره على هذين القسمين حث على الثبات؛ ولو كان العدو أكثر من الضعف؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة ؛ " والله يؤيد بنصره من يشاء " ؛ " والله مع الصابرين " .