ولما ذكر نعيم أهل الجنة الذي لا ينقضي لأن لهم غاية المكنة فيه، وكان ذلك آجلا، وكان المكذبون في اتساع في الدنيا، وتقدم قوله
[ ص: 185 ] تعالى
إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع وكان الشقاء متى وقع بعد نعيم نسخه وعد النعيم - ولو كان كثيرا طويلا - قليلا، قال نتيجة لجواب القسم ضد ما يقال للمتقين تسلية لهم وتحزينا للمكذبين بناء على ما تقديره: إن المكذبين في هذه الدنيا في استدراج وغرور، ويقول لهم لسان الحال المعرب عن أحوالهم في المآل توبيخا وتهديدا:
كلوا أي أيها المكذبون في هذه الدنيا
وتمتعوا أي كذلك بمثل الجيفة، فإن المتاع من أسمائها كما مر غير مرة عن أهل اللغة
قليلا أي وإن امتد زمنه فإنه زائل مع قصر مدته في مدة الآخرة، ولا يؤثر ذلك على الباقي النفيس إلا خسيس الهمة، قال
الرازي، وقال بعضهم:
التمتع بالدنيا من أفعال الكافرين، والسعي لها من أفعال الظالمين، والاطمئنان إليها من أفعال الكاذبين، والسكون فيها على حد الإذن والأخذ منها على قدر الحاجة من أفعال عوام المؤمنين، والإعراض عنها من أفعال الزاهدين، وأهل الحقيقة أجل خطرا من أن يؤثر فيهم حب الدنيا وبغضها وجمعها وتركها.
ولما أحلهم هذا المحل الخبيث، وكان التقدير: فإنه لا بد من وقوع العذاب بكم يوم الفصل، علل ذلك بقوله مؤكدا لأنهم ينكرون وصفهم بذلك:
إنكم مجرمون أي عريقون في قطع كل ما أراد الله به أن
[ ص: 186 ] يوصل، فلا جائز أن تعاملوا معاملة المحسنين، فلذلك كانت نتيجة هذا