ولما كان إيباسه وتسويده بعد اخضراره ونموه في غاية الدلالة على
تمام القدرة وكمال الاختيار بمعاقبة الأضداد على الذات الواحدة قال تعالى:
فجعله أي بعد أطوار من زمن إخراجه
غثاء أي كثيرا، ثم أنهاه فأيبسه وهشمه ومزقه فجمع السيل بعضه إلى بعض فجعله زبدا وهالكا وباليا وفتاتا على [وجه - ] الأرض
أحوى أي في غاية الري حتى صار أسود يضرب إلى خضرة، أو أحمر يضرب إلى سواد، أو اشتدت خضرته فصارت تضرب إلى سواد، وقال القزاز رحمه الله في ديوانه: الحوة شية من شيات الخيل، وهى بين الدهمة والكمتة، وكثر هذا حتى سموا كل أسود أحوى - انتهى. فيجوز أن يريد حينئذ أنه أسود من شدة يبسه فحوته الرياح وجمعته من كل أوب
[ ص: 394 ] حيث تفتت، فكل من الكلمتين فيها حياة وموت، وأخر الثانية لتحملهما لأن دلالتها على الخضرة أتم، فلو قدمت لم تصرف إلى غيرها، فدل جمعه بين الأضداد على الذات الواحدة على كمال الاختيار، وأما الطبائع فليس لها من التأثير الذي أقامها سبحانه فيه إلا الإيجابي كالنار متى أصابت شيئا أحرقته، ولا تقدر بعد ذلك أن تنقله إلى صفة أخرى غير التي أثرتها فيه، وأشار بالبداية والنهاية إلى تذكر ذلك، وأنه على سبيل التكرار في كل عام الدال على بعث الخلائق، وخص المرعى لأنه أدل على
البعث لأنه مما ينبته الناس، وإذا انتهى تهشم وتفتت وصار ترابا، ثم يعيده سبحانه بالماء على ما كان عليه سواء [ كما يفعل بالأموات سواء - ] من غير فرق أصلا.