ولما وعظ - سبحانه وتعالى - في هذه النازلة؛ وحذر؛ ونهى؛ وأمر؛ بين نعمته على نبيه - صلى الله عليه وسلم - في عصمته عما أرادوه من مجادلته عن الخائن؛ بقوله (تعالى):
ولولا فضل الله ؛ أي: الملك الأعلى؛
[ ص: 399 ] عليك ؛ أي: بإنزال الكتاب؛
ورحمته ؛ أي: بإعلاء أمرك؛ وعصمتك من كل ذي كيد؛ وحفظك في أصحابك الذين أتوا يجادلون عن ابن عمهم؛ سارق الدرع؛ في التمسك بالظاهر؛ وعدم قصد العناد؛
لهمت طائفة منهم ؛ أي: فرقة فيها أهلية الاستدارة والتخلق؛ لا تزال تتخلق فتفيل الآراء؛ وتقلب الأمور؛ وتدير الأفكار في ترتيب ما تريد؛
أن يضلوك ؛ أي: يوقعوك في ذلك؛ بالحكم ببراءة
طعمة؛ ولكن الله حفظك في أصحابك فما هموا بذلك؛ وإنما قصدوا المدافعة عن صاحبهم بما لم يتحققوه؛ ولو هموا لما أضلوك؛
وما يضلون ؛ أي: على حالة من حالات هذا الهم؛
إلا أنفسهم ؛ إذ وبال ذلك عليهم؛
وما يضرونك ؛ أي: يجددون في ضرك حالا ولا مالا بإضلال؛ ولا غيره؛
من شيء ؛ وهو وعد بدوام العصمة في الظاهر؛ والباطن؛ كآية "المائدة"؛ أيضا؛ وإن كانت هذه بسياقها ظاهرة في الباطن؛ وتلك ظاهرة في الظاهر؛
وأنـزل الله ؛ أي: الذي له جميع العظمة؛
عليك ؛ وأنت أعظم الخلق عصمة لأمتك؛
الكتاب ؛ أي: الذي تقدم أول القصة الإشارة إلى كماله؛ وجمعه لخيري الدارين؛
والحكمة [ ص: 400 ] ؛ أي: الفهم لجميع مقاصد الكتاب؛ فتكون أفعالك وأفعال من تابعك فيه على أتم الأحوال؛ فتظفروا بتحقيق العلم؛ وإتقان العمل؛ وعمم بقوله:
وعلمك ما لم تكن تعلم ؛ أي: من المشكلات؛ وغيرها؛ غيبا وشهادة؛ من أحوال الدين والدنيا؛
وكان فضل الله ؛ أي: المتوحد بكل كمال؛
عليك عظيما ؛ أي: بغير ذلك من أمور لا تدخل تحت الحصر؛ وهذا من أعظم الأدلة على أن العلم أشرف الفضائل.