ولما كان فاعل ذلك؛ بعد بيان الهدى؛ هم أهل الكتاب؛ ومن أضلوه من المنافقين؛ بما ألقوه إليهم من الشبه؛ فردوهم إلى ظلام الشرك والشك؛ بعد أن بهرت أبصارهم أشعة التوحيد; حسن إيلاؤه قوله - سبحانه وتعالى - معللا؛ تعظيما لأهل الإسلام؛ وحثا على لزوم هديهم؛ وذما لمن نابذهم؛ وتوعدا له؛ إشارة إلى أن من خرق إجماع المسلمين صار حكمه حكم المشركين؛ فكيف بمن نابذ المرسلين:
إن الله ؛ أي: الأحد المطلق؛ فلا كفؤ له؛
لا يغفر أن يشرك به ؛ أي: وقوع الشرك به؛ من أي شخص كان؛ وبأي شيء كان؛ لأن من قدح في الملك استحق البوار والهلك؛ وسارق الدرع أحق الناس بذلك؛
ويغفر ما ؛ أي: كل شيء هو
دون ذلك ؛ أي: الأمر الذي لم يدع للشناعة
[ ص: 404 ] موضعا - كما هو شأن من ألقى السلم؛ ودخل في ربقة العبودية؛ ثم غلبته الشهوة فقصر في بعض أنواع الخدمة؛ ثم دل على نفوذ أمره بقوله:
لمن يشاء
ولما كان التقدير: "فإن من أشرك به فقد افترى إثما مبينا"؛ عطف عليه قوله:
ومن يشرك ؛ أي: يوقع هذا الفعل القذر جدا؛ في أي وقت كان؛ من ماض؛ أو حال؛ أو استقبال؛ مداوما على تجديده؛
بالله ؛ أي: الملك الذي لا نزاع في تفرده بالعظمه؛ لأنه لا خفاء في ذلك عند أحد؛
فقد ضل ؛ أي: ذهب عن السنن الموصل؛
ضلالا بعيدا ؛ لا تمكن سلامة مرتكبه؛ وطوى مقدمة الافتراء؛ الذي هو تعمد الكذب؛ وذكر مقدمة الضلال؛ لأن معظم السياق للعرب؛ أهل الأوثان؛ والجهل فيهم فاش؛ بخلاف ما مضى لأهل الكتاب؛ فإن كفرهم عن علم؛ فهو تعمد للكذب.