ولما علم أن هذا الجزاء المذكور لا يكون إلا للهلوع الجزوع المضطرب النفس الطائش في حال السراء والضراء، الذي لا يكرم اليتيم ولا المسكين ويحب الدنيا، وكان من المعلوم أن من الناس من ليس هو كذلك، تشوفت النفس إلى جزائه فشفى عي هذا التشوف بقوله، إعلاما بأنه يقال لنفوسهم عند النفخ في الصور وبعثرة ما في القبور للبعث والنشور:
يا أيتها النفس المطمئنة أي التي هي في غاية
[ ص: 43 ] السكون لا خوف عليها ولا حزن ولا نقص ولا غبون، لأنها كانت في الدنيا في غاية الثبات على كل ما أخبر به عن الدار الآخرة وغيرها من وعد ووعيد وتحذير وتهديد، فهم راجون لوعده خائفون من وعيده، وإذا كانت هذه حال النفس التي شأنها الميل إلى الدنيا فما ظنك بالروح التي هي خير صرف