[ ص: 147 ] ولما ثبت بهذا أنه لا يجوز في الحكمة تركهم بغير جزاء مع ما يشاهد من ظلم بعضهم لبعض معاندة لما يقتضيه [قويم] العقل الذي لا شك فيه، فكان ذلك بحيث لا يرضاه أحد منهم ولا يقر مخلوق عبيدا في ملكه على مثله بأن يبغي بعضهم على بعض فيهملهم بل لا بد أن يحجز بينهم أو يأخذ للمظلوم من الظالم، ولو كان ذلك المالك أقل الناس وأجهلهم فكيف إن كان عاقلا فكيف إن كان حاكما فكيف إن كان لا يخاف أحدا فكيف إن كان عدلا مقسطا قد ثبتت إحاطة علمه وقدرته سبحانه وتعالى، حسن كل الحسن أن يكون ذلك سببا للإنكار على من يظن أن الله يهمل عباده من الحكم بينهم لمجازاة كل من المطيع والعاصي بما عمل مع ما ترى من ظلم بعضهم لبعض، وأن
الظالم قد يموت قبل القصاص ، فقال مسببا عن الوعد بما أفصح به الكتاب من إثابة المؤمنين الذي طالما بغى عليهم الظلمة، وانتقصهم حقوقهم الفسقة، والوعيد بما أفهمه الخطاب لعتاب المجرمين الذين طالما بغوا على غيرهم:
فما أي فتسبب عن إقامة الدليل على تمام القدرة وعلى بغي العبيد بعضهم على بعض أنه يقال لك تصديقا لك فيما أخبرت به من [أن]
[ ص: 148 ] الله سبحانه وتعالى يبعث الخلائق بعد موتهم ليجازي كلا بما عمل وإنكارا على من كذبك: [ما]
يكذبك أي أي شيء ينسبك إلى الكذب يا أشرف الخلق وأكملهم نفسا وأتقاهم عرضا وأطهرهم خلقا وخلقا، وعبر بـ "ما" إشارة إلى أن الكذب بهذا مع [هذا] الدليل القطعي الذي تضمنته هذه السورة في عداد ما لا يعقل بل دونه
بعد أي بعد مشاهدة بغي بعض الناس على بعض استعمالا لحال النكس، وأعراه من الجار إشارة إلى أن من آمن قبل الغرغرة واتصل إيمانه ذلك بموته كان ممن له أجر غير ممنون
بالدين أي الجزاء لكل أحد بما يستحقه على سبيل العدل والإنصاف لأجل تلك الأعمال التي غلبت فيها الحظوظ على العقول، فوقع بها من الظلم والأذى ما لا يسع عاقلا من العباد أن يحسن عنده ترك فاعلها من غير جزاء حتى كان أكثر أفعال العباد ظلما، ومن شأن الملوك الإنصاف بين عبيدهم ورعاياهم، فكيف بالله سبحانه وتعالى الذي شرع لعباده ذلك، وقد ثبت بما له من هذا الخلق العظيم، على هذا النظام المحكم والمنهاج الأقوم أنه الحكيم، الذي لا حكيم غيره، العليم الذي لا عليم سواه.