ولما كان علم ما في الصدور أمرا باهرا للعقل، قال جامعا نظرا إلى المعنى لما عبر عنه بالإفراد بالنظر إلى اللفظ، لأن العلم بالكل يلازمه العلم بالبعض بخلاف العكس مؤكدا إشارة إلى أنه مما لا يكاد يصدق، معللا للجملة المحذوفة الدالة على الحساب:
إن ربهم أي المحسن إليهم بخلقهم ورزقهم وتربيتهم وجعلهم أقوياء سويين
بهم قدم هذا الجار والمجرور لا للاختصاص، بل للشارة إلى نهاية الخبر.
ولما كانت الخبرة للإحاطة بالشيء ظاهرا وباطنا، وكان يلزم من الخبرة بالشيء بعد كونه بمدد طوال الخبرة به حال كونه من باب الأولى قال:
يومئذ أي إذ كانت [هذه] الأمور وهو يوم القيامة
لخبير أي محيط بهم من جميع الجهات عالم غاية العلم ببواطن أمورهم، فكيف
[ ص: 219 ] بظواهرها جواهر وأعراضا، أقوالا وأفعالا، خفية كانت أو ظاهرة، سرا كانت أو علانية، خيرا كانت أو شرا، ومن المعلوم أن فيها الظلم وغيره، ومنهم المحسن وغيره، فلأجل علمه سبحانه بذلك غاية العلم يحاسبهم لئلا يقع ما ينافي الحكمة وهو أن تستوي الحسنة والسيئة، فالقصد بالقيد وتقديم الظرف الإبلاغ في التعريف بأنه سبحانه وتعالى محيط العلم بذلك كما إذا قيل لك: تعرف فلانا؟ فقلت: ولا أعرف إلا هو، فإن قصدك بذلك أن معرفتك به في غاية الإتقان، لا نفي معرفة غيره، وفيه إشعار بأن كل أحد يعرف غاية المعرفة في ذلك اليوم أنه سبحانه وتعالى [عالم] بأحواله لا ذهول له عن شيء من ذلك كما يقع في هذه الدار من أن الإنسان يعمل أشياء كثيرة وهو غافل عن أن ربه سبحانه مطلع عليه فيها، ولو نبه لعلم، فلإحاطته سبحانه وتعالى بجميع أحوالهم كان عالما بأن الإنسان لربه لكنود، وقد رجع آخرها إلى أولها، وتكفل مفصلها بشرح مجملها - والله الهادي للصواب.