ولما كان في هذا تهديد بليغ؛ وتعريف بسعة الملك؛ وكمال التصرف؛ وكان مدار أحوال المتشاححين في الإرث؛ وحقوق الأزواج؛ وغيرها الأمر الدنيوي؛ وكان - سبحانه وتعالى - قد بين فيما مضى أن مبنى أحوال المنافقين على طلب العرض الفاني خصوصا؛ قصة
طعمة بن أبيرق؛ الراضي لنفسه بالفضيحة في نيل شيء تافه; قال (تعالى) - تفييلا لآرائهم؛ وتخسيسا لهممهم؛ حيث نزلوا إلى الأدنى؛ مع القوة على طلب الأعلى؛ مع طلب الأدنى أيضا منه (تعالى) ؛ فلا يفوتهم شيء من معولهم؛ مع إحراز الأنفس -:
من كان يريد ثواب الدنيا ؛ لقصور نظره على المحسوس الحاضر؛ مع خسته؛ كالبهائم؛
فعند ؛ أي: فليقبل إلى الله؛ فإنه عند
الله ؛ أي: الذي له الكمال المطلق؛
ثواب الدنيا ؛ الخسيسة الفانية؛
والآخرة ؛ أي: النفيسة الباقية؛ فليطلبها منه؛ فإنه يعطي من أراد ما شاء؛ ومن علت همته عن ذلك؛ فأقبل بقلبه إليه؛ وقصر همه عليه؛ فلم يطلب إلا الباقي؛ جمع - سبحانه وتعالى - له بينهما؛ كمن يجاهد لله خالصا؛ فإنه يجمع له بين الأجر؛ والمغنم؛ وما أشد التئامها مع ذلك بما قبلها! لأن من كان تام القدرة؛ واسع الملك كان كذلك.
[ ص: 431 ] ولما كان الناشئ عن الإرادة إما قولا أو فعلا؛ وكان الفعل قد يكون قلبيا قال:
وكان الله ؛ أي: المختص بجميع صفات الكمال؛
سميعا ؛ أي: بالغ السمع لكل قول؛ وإن خفي؛ نفسيا كان أو لسانيا؛
بصيرا ؛ أي: بالغ البصر لكل ما يمكن أن يبصر من الأفعال؛ والعلم بكل ما يبصر؛ وما لا يبصر؛ منها ومن غيرها؛ فيكون من البصر؛ ومن البصيرة؛ فليراقبه العبد قولا وفعلا.