ولما بين - سبحانه - أنه أقام الأدلة على صحته بالمعجزات؛ فصار كأنه شهد بحقيقته؛ كان أنفع الأشياء إتباع ذلك بوصف من جحده في نفسه؛ وصد عنه غيره؛ زجرا عن مثل حاله؛ وتقبيحا لما أبدى من ضلاله؛ فقال:
إن الذين كفروا ؛ أي: ستروا ما عندهم من العلم بصدقه؛ بما دل عليه من شاهد العقل؛ وقاطع النقل؛ من اليهود؛ وغيرهم؛
وصدوا عن سبيل الله ؛ أي: الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه؛ بأنفسهم؛ وبإضلال غيرهم بما يلقونه من الشبه؛ من مثل هذه؛ وقولهم - كذبا -: إن في التوراة أن شريعة
موسى - عليه الصلاة والسلام - لا تنسخ؛ وقولهم: إن الأنبياء لا يكونون إلا من أبناء
هارون؛ وداود - عليهما الصلاة والسلام -
قد ضلوا ؛ أي: عن الطريق الموصل إلى مقصودهم؛ في حسده؛ ومنع
[ ص: 516 ] ما يراد من إعلائه؛
ضلالا بعيدا ؛ أي: لأن أشد الناس ضلالا مبطل يعتقد أنه محق؛ ثم يحمل غيره على مثل باطله؛ فصاروا بحيث لا يرجى لهم الرجوع إلى الطريق النافع؛ لا سيما إن ضم إلى ذلك الحسد؛ لأن داء الحسد أدوأ داء;