ولما أزاح شبه جميع المخالفين من سائر الفرق: اليهود؛ والنصارى؛ والمنافقين؛ وأقام الحجة عليهم؛ وأقام الأدلة القاطعة على حشر جميع المخلوقات؛ فثبت أنهم كلهم عبيده; عم في الإرشاد؛ لطفا منه بهم؛ فقال:
يا أيها الناس ؛ أي: كافة؛ أهل الكتاب وغيرهم.
ولما كان السامع جديرا بأن يكون قد شرح صدرا بقواطع الأدلة بكلام وجيز؛ جامع؛ قال:
قد جاءكم برهان ؛ أي: حجة نيرة؛ واضحة؛ مفيدة لليقين التام؛ وهو رسول مؤيد بالأدلة القاطعة من المعجزات؛ وغيرها؛
من ربكم ؛ أي: المحسن إليكم بإرسال الذي لم تروا قط إحسانا إلا منه.
ولما كان القرآن صفة الرحمن؛ أتى بمظهر العظمة؛ فقال:
وأنـزلنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ والقدرة؛ والعلم؛ والحكمة؛ على الرسول الموصوف؛ منتهيا
إليكم نورا مبينا ؛ أي: واضحا في نفسه؛ موضحا لغيره؛ وهو هذا القرآن الجامع بإعجازه؛ وحسن بيانه؛ بين تحقيق النقل؛ وتبصير العقل؛ فلم يبق لأحد من المدعوين به نوع عذر؛ والحاصل أنه - سبحانه - لما خلق للآدمي عقلا؛ وأسكنه نورا لا يضل؛ ولا يميل؛ مهما جرد؛
[ ص: 527 ] ولكنه - سبحانه - حفه بالشهوات؛ والحظوظ؛ والملل؛ والفتور؛ فكان في أغلب أحواله قاصرا؛ إلا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -؛ ومن ألحقه - سبحانه - بهم; أنزل كتبه بذلك العقل مجردا عن كل عائق؛ وأمرهم أن يجعلوا عقولهم تابعة له؛ منقادة به؛ لأنها مشوبة؛ وهو مجرد؛ لا شوب فيه بوجه.