ولما كان إحياؤهم من ذلك في الدار في غاية البعد وخرق العادة عبر عنه بأداة التراخي ومظهر العظمة فقال
ثم بعثناكم أي بما لنا من العظمة بالإحياء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : من البعث وهو الاستثارة من
[ ص: 383 ] غيب وخفاء ، أشده البعث من القبور ، ودونه البعث من النوم ؛ قال : وتجاوز الخطاب ما كان من سبب بعثهم ، وكذلك كل موضع يقع فيه ثم ، ففيه خطاب متجاوز مديد الأمد كثير رتب العدد مفهوم لمن استوفى مقاصد ما وقعت كلمة ثم بينه من الكلامين المتعاطفين ؛ ففي معنى التجاوز من الخطاب سؤال
موسى عليه السلام ربه في بعثهم حتى لا يكون ذلك فتنة على سائرهم . انتهى .
ولما كان ربما ظن أن البعث من غشى ونحوه حقق معناه مبينا أنه لم يستغرق زمن البعد بقوله :
من بعد موتكم أي هذا بتلك الصاعقة ، وقال دالا على أن البعث إلى هذه الدار لا يقطع ما بنيت عليه من التكليف لأنها دار الأكدار فلا بد من تصفية الأسرار فيها بالأعمال
[ ص: 384 ] والأذكار :
لعلكم تشكرون أي لتصير حالكم حال من يصح ترجي شكره لهذه النعمة العظيمة ؛ وكل ما جاء من لعل المعلل بها أفعال الرب تبارك وتعالى ينبغي أن تؤول بنحو هذا ، فإن لعل تقتضي الشك لأنها للطمع والإشفاق فيطمع في كون مدخولها ويشفق من أن لا يكون ، وتارة يكون الشك للمخاطب وتارة يكون للمتكلم ، ولو قيل : لتشكروا ، لم يكن هناك شك - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14387الرماني في سورة
يوسف عليه السلام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفي لعل إبهام معلومه فيهم بأن منهم من يشكر ومنهم من لا يشكر . انتهى . وسيأتي في سورة " طه " إن شاء الله تعالى عن نص
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في " كتابه " ما يؤيد ما ذكرته .
وفي هذه الآية وما تقدمها من آية
واتقوا يوما لا تجزي نفس تنبيه
للعرب من غفلتهم في إنكار البعث وإرشاد إلى سؤال ممن يغرهم من أهل الكتاب بأنهم أولى بالحق من المسلمين عن هذه القصة التي وقعت لأسلافهم من إحيائهم بعد موتهم ، وكذا ما أتى في محاوراتهم من قصة
[ ص: 385 ] البقرة ونحوها مما فيه ذكر الإحياء في هذه الدار أو في القيامة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفيه أي هذا الخطاب آية على البعث الآخر الذي وعد به جنس بني آدم كلهم فجأة صعق وسرعة بعث ، فإن ما صح لأحدهم ولطائفة منهم أمكن عمومه في كافتهم . انتهى .