ولما أشار في هذه الآية إلى الرسول الأصفى؛ والنبي الأهدى؛ المجبول على هذا العقل الأقوم الأجلى؛ والكتاب الأتم الأوفى؛ الجاري على هذا القانون الأعلى؛ الوافي تعبيره؛ الوجيز بأحكام الأولى والأخرى؛ الكفيل سياقه وترتيب آياته بوضوح الأدلة؛ وظهور الحجج; أخذ يقسم المنذرين؛ فقال (تعالى):
فأما الذين آمنوا بالله ؛ أي: الذي اتضح أنه لا أمر لأحد معه في ذاته؛ وصفاته؛ وأفعاله؛ وأحكامه؛ وأسمائه؛ بما دل عليه قاطع البرهان؛
واعتصموا به ؛ أي: جعلوه عصاما لهم في الفرائض التي هي من أعظم مقاصد هذه السورة؛ يربطهم؛ ويضبطهم عن أن يضلوا بعد الهدى؛ ويرجعوا من الاستبصار إلى العمى؛ لأن العصام هو الرابط للوعاء أن يخرج شيء مما فيه؛ وصيغة الافتعال تدل على الاجتهاد في ذلك؛ لأن النفس داعية إلى الإهمال؛ المنتج للضلال؛
فسيدخلهم ؛ أي: بوعد لا خلف فيه؛ ولعل السين ذكرت لتفيد
[ ص: 528 ] - مع تحقيق الوعد - الحث على المثابرة؛ والمداومة؛ على العمل؛ إشارة إلى عزة ما عنده - سبحانه -؛
في رحمة منه ؛ أي: ثواب عظيم؛ هو برحمته لهم؛ لا بشيء استوجبوه؛ وأشار إلى البر؛ على ما تقتضيه أعمالهم؛ لو كانت لهم؛ بقوله:
وفضل ؛ أي: عظيم؛ يعلمون أنه زيادة؛ لا سبب لهم فيها؛
ويهديهم ؛ أي: في الدنيا؛ والآخرة؛
إليه صراطا ؛ أي: عظيما؛ واضحا جدا؛
مستقيما ؛ أي: هو مرشد قومه؛ كأنه طالب لتقويم نفسه؛ فهو يوصلهم؛ لا محالة؛ إلى وعده بما يحفظهم في سرهم وعلنهم؛ يستجلي أنوار عالم القدس في أرواحهم؛ وتوفيقهم لاتباع ما هدت إليه من أمر الفرائض؛ وغيرها؛ فقد أتى - كما ترى – بـ "أما"؛ المقتضية للتقسيم؛ لا محالة؛ وأتى بأحد القسمين المذكورين في الآية التي قبلها؛ ووصفهم بالاعتصام بالله؛ في النصرة؛ وقبول جميع أحكامه؛ في الفرائض وغيرها؛ وافقت أهويتهم أو خالفتها؛ تعريضا بالمنافقين الذين والوا غيرهم؛ وبالكافرين الذين آمنوا ببعض؛ وكفروا ببعض؛ وترك القسم الآخر؛ وهو قسم المستنكفين؛ والمستكبرين؛ ووضع موضعه حكما من أحكام الفرائض المفتتح بها السورة؛ التي هي من أعظم مقاصدها من غير حرف عطف؛ بل بكمال الاتصال؛ فقال - منكرا عليهم تكرير السؤال
[ ص: 529 ] عن النساء؛ والأطفال؛ بعد شافي المقال؛ مبينا أنه قد هدى في ذلك كله أقوم طريق -: