ولما كان من الأجر ما يحصل من أسباب السعادة في الدنيا؛ قال (تعالى) - ذاكرا لهم بعض ذلك؛ مذكرا ببعض ما خاطبهم به؛ ليقدموا على مباينة الكفرة؛ ويقفوا عند حدوده؛ كائنة ما كانت -:
يا أيها الذين آمنوا ؛ أي: صدقوا بالله؛ ورسوله؛ وكتابه؛
اذكروا نعمت الله ؛ أي: الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلما؛
عليكم ؛ عظمها بإبهامها؛ ثم زادها تعظيما بالتذكير بوقتها؛ فقال:
إذ ؛ أي: حين؛
هم قوم ؛ أي: لهم قوة ومنعه؛ وقدرة على ما يقومون فيه؛
أن يبسطوا إليكم أيديهم ؛ أي: بالقتال؛ والقتل؛ وهو شامل - مع ما ذكر من أسباب نزوله - لما اتفق صبيحة ليلة
العقبة من أن
قريشا تنطست الحبر عن البيعة؛ فلما صح عندهم طلبوا أهل البيعة ففاتوهم؛ إلا أنهم أدركوا
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة بأذاخر؛ والمنذر بن عمرو؛ أخا
بني ساعدة؛ وكلاهما كان نقيبا؛ فأما
المنذر فأعجزهم؛ وأما
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد فأخذوه؛ فربطوه؛ وأقبلوا يضربونه؛ حتى خلصه الله منهم
بجبير بن مطعم؛ [ ص: 46 ] والحارث بن حرب بن أمية؛ بما كان بينه وبينهما من الجوار؛ فكان في سوق الآية بعد آية الميثاق؛ الذي أعظمه ما كان ليلة العقبة؛ أعظم مذكر بذلك؛
فكف أيديهم عنكم ؛ أي: مع قلتكم؛ وكثرتهم؛ وضعفكم؛ وقوتهم؛ ولم يكن لكم ناصر إلا الذي آمنتم به تلك الليلة؛ وتوكلتم عليه؛ وبايعتم رسوله؛ فكف ببعض الأعداء عنكم أيدي بعض؛ ولو شاء لسلطهم عليكم؛ كما سلط ابن
آدم على أخيه; وينبغي أن يعلم أن القصة التي عزيت في بعض التفاسير هنا إلى
بني قريظة في الاستعانة في دية القتيلين إنما هي
لبني النضير؛ وهي كانت سبب إجلائهم.
ولما أمرهم بذكر النعمة؛ عطف على ذلك الأمر الأمر بالخوف من المنعم أن يبدل نعمته بنقمة؛ فقال:
واتقوا الله ؛ أي: الملك الذي لا يطاق انتقامه؛ لأنه لا كفؤ له؛ حذرا من أن يسلط عليكم أعداءكم؛ ومن غير ذلك من سطواته.
ولما كان التقدير: "على الله وحده في كل حالة فتوكلوا؛ فإنه جدير بنصر من انقطع إليه؛ ولم يعتمد إلا عليه؛ عطف على ذلك قوله - تعميما؛ وتعليقا للحكم بالوصف -:
وعلى الله ؛ أي: وحده؛ لكونه لا مثل له؛
فليتوكل المؤمنون ؛ أي: في كل وقت؛ فإنه يمنعهم إذا شاء كهذا المنع؛ وإن اشتد الخطب؛ وتعاظم الأمر؛ فتوكلوا؛ ولا تنكلوا عن أعدائكم الذين وعدكم الله أرضهم؛ وديارهم؛ وأبناءهم؛ وتهابوا جموعهم؛ كما هاب
[ ص: 47 ] بنو إسرائيل - كما سيقص عليكم -؛ وقوله هنا: "المؤمنون"؛ وفي قصة بني إسرائيل: " إن كنتم مؤمنين " ؛ شديد التآخي؛ معلم بمقامي الفريقين؛ وحينئذ حسن كل الحسن تعقيبها مع ما تقدم من أمر
العقبة؛ وأمر
بني النضير؛ في نقضهم عهدهم؛ وغدرهم؛ بما هموا به من قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بإلقاء الرحى عليه من سطح البيت الذي أجلسوه إلى جانبه؛ بقوله - إشارة إلى أن اليهود ما زالوا على النقض قديما؛ تحذيرا للمؤمنين من أن يكونوا مثلهم في النقض؛ لئلا يحل بهم ما حل بهم من الصغار؛ وإعلاما بأن عادته - سبحانه - في الإلزام بالتكاليف قديمة؛ غير مخصوصة بهم؛ بل هي عامة لعباده؛ وقد كلف أهل الكتاب؛ تشريفا لهم بمثل ما كلفهم به؛ ورغبهم؛ ورهبهم؛ ليسابقوهم في الطاعة؛ فإن الأمر إذا عم هان؛ والإنسان إذا سابق اجتهد في أخذ الرهان؛ وأكد الخبر بذلك لئلا يظن لشدة انهماكهم في النفس أنه لم يسبق لهم عهد قبل ذلك؛ فقال (تعالى) -: