ولما كان التقدير: "آتيناه ذلك؛ لينتهي أهل التوراة عما نسخه منها"؛ عطف عليه قوله:
وليحكم ؛ في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ؛ بكسر اللام؛ والنصب؛ والتقدير - على قول الجماعة بالإسكان؛ والجمع؛ والجزم -: "فلينته أهل التوراة عما نسخ منها؛ وليحكم
أهل الإنجيل ؛ وهم أتباع
عيسى - عليه السلام -
بما أنـزل الله ؛ أي: الواحد الأحد؛ الذي له جميع صفات الكمال؛
فيه ؛ من الدلائل على نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ومن غير ذلك مما أودعناه إياه من الأحكام؛ والمواعظ الجسام.
ولما كان التقدير: "فمن انتهى فأولئك هم المسلمون؛ ومن حكم بما
[ ص: 174 ] أنزل الله فيه فأولئك هم المفلحون"؛ عطف عليه قوله:
ومن لم يحكم بما أنـزل الله ؛ أي: الملك الأعلى؛ الذي لا أمر لأحد معه؛ فله كل شيء؛ وليس لأحد معه شيء؛ وكل شيء إليه مفتقر؛ ولا افتقار له إلى شيء فيه؛ أو في غيره; وهو غير منسوخ؛ تدينا بتركه؛ أو لشهوة دعت؛
فأولئك ؛ أي: البعداء عن كل خير؛ البغضاء؛
هم الفاسقون ؛ أي: المختصون بكمال الفسق؛ فإن كان تدينا كان كفرا؛ وإن كان لاتباع الشهوات كان مجرد معصية؛ لأن الحظوظ والشهوات تحمل على الخروج عن دائرة الشرع مرة بعد أخرى؛ فمن ترك الحكم تكذيبا فقد جمع الدركات الثلاث: ستر الدلائل؛ فتنقل من درجة النور إلى دركة الظلام؛ فانكب في مهواة الخروج من المحاسن؛ فانحط إلى أقبح المساوي; والتعبير بالوصف المؤذن بالعراقة في مأخذ الاشتقاق؛ معلم بأن المراد بكل واحد منها الكفر؛ فحق أن المراد منه الشرعي - لا مطلق الستر - غاية التحقيق؛ فبين بوصفه بالظلم أنه ستر لما ينبغي إظهاره؛ وبالفسق أنه بلغ في كونه في غير موضعه النهاية؛ حتى خرق جميع دائرة المأذون فيه؛ فخرج منها؛ وهذا إشارة إلى ذنوب أهل الإنجيل؛ لينتج نقض دعواهم البنوة والمحبة؛ لأن المعنى: ومن الواضح بكتابك الذي جعل مهيمنا على جميع الكتب؛ أنهم خالفوا أحكامه؛ فهم فاسقون؛ أي: خارجون عما من شأنه الاستقرار فيه؛ لنفعه؛ فواقعون في الظلمة الموجبة لوضع الشيء في غير موضعه؛ المقتضية للتغطية والستر؛ وقدم الوصف بالكفر؛ لأن السياق لمن حرف الكلم عن موضعه؛ وغير
[ ص: 175 ] ما كتب من محكم أحكام التوراة من الحدود؛ وذلك هو التغطية التي هي معنى الكفر؛ لأنه من الظلام؛ كما أن الفسق سبب الظلم؛ لأنه الخروج عما من شأنه النفع؛ فكان الآخر أولا في المعنى؛ والأول نهاية في الحقيقة؛ والآية دالة على أن فيه أحكاما؛ وكذا قوله (تعالى) في "آل عمران":
ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ؛ وهذا هو الحق؛ وأعظم ما غير تحريم السبت؛ الذي كان أعظم شعائرهم؛ فأحله؛ وغير أيضا غير ذلك من أحكامهم; قال فيما رأيته من ترجمة إنجيل
متى: سمعتم ما قيل للأولين: لا تقتل؛ فإن من قتل وجبت عليه لائمة الجماعة؛ ومن قال لأخيه: أحمق؛ فقد وجبت عليه نار جهنم؛ إن أنت قدمت قربانك على المذبح؛ وذكرت هناك أن أخاك واجد عليك؛ فدع قربانك هناك قدام المذبح؛ وامض أولا وصالح أخاك؛ وحينئذ فأت وقدم قربانك؛ كن متفهما من خصمك سريعا ما دمت معه في الطريق؛ لئلا يسلمك الخصم إلى الحاكم؛ والحاكم إلى المستخرج؛ وتلقى في السجن; وفي إنجيل
لوقا: إذا رأيتم سحابة تطلع من المغرب قلتم: إن المطر يأتي; فيكون كذلك؛ وإذا هبت ريح الجنوب قلتم: سيكون حر؛ يا مراؤون؛ تحسنون تمييز وجه السماء والأرض؛ وهذا الزمان كيف لا تميزونه؛ ولا تحكمون بالصدق من قبل نفوسكم؟
[ ص: 176 ] لأنك إذا ذهبت مع خصمك إلى الرئيس فأعطه ما يجب عليك في الطريق؛ تتخلص منه؛ لئلا يذهب بك إلى الحاكم فيدفعك الحاكم إلى المستخرج؛ ويلقيك المستخرج في السجن; وقال
متى: الحق الحق أقول لك؛ إنك لا تخرج من هناك حتى تؤدي آخر فلس عليك؛ سمعتم ما قيل للأولين: لا تزن؛ وأنا أقول لكم: إن كل من نظر إلى امرأة واشتهاها؛ فقد زنى بها في قلبه؛ إن شككتك عينك اليمنى فاقلعها وألقها؛ لأنه خير لك أن تهلك أحد أعضائك؛ ولا تلقي جسدك كله في جهنم؛ قيل: إن من طلق امرأته فليدفع لها كتاب الطلاق؛ وأنا أقول لكم: إن من طلق امرأته من غير كلمة زنا فقد جعلها زانية؛ ومن تزوج مطلقة فقد زنى؛ وأيضا سمعتم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك؛ وأوف للرب قسمك؛ وأنا أقول لكم: لا تحلفوا البتة؛ لا بالسماء؛ فإنها كرسي الله؛ ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه؛ ولا بيروشليم؛ فإنها مدينة الملك العظيم؛ ولا برأسك؛ لأنك لا تقدر تصنع شعرة بيضاء أو سوداء؛ ولتكن كلمتكم: نعم نعم؛ ولا لا؛ وما زاد على ذلك فهو من الشر؛ سمعتم ما قيل: العين بالعين؛ والسن بالسن؛ وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشر؛ ولكن من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر؛
[ ص: 177 ] ومن أراد خصومتك وأخذ ثوبك؛ فدع له رداءك؛ ومن سخرك ميلا فامض معه اثنين؛ قال
لوقا: وكل من سألك فأعطه؛ ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده؛ ولا تطلب من الذي يأخذ مالك؛ وكما تحبون أن يصنع الناس بكم كذلك فاصنعوا أنتم بهم; وقال
متى : سمعتم ما قيل: أحبب قريبك؛ وأبغض عدوك؛ وأنا أقول لكم: حبوا أعداءكم؛ وباركوا لاعنيكم؛ وأحسنوا إلى من أبغضكم - وقال
لوقا: يبغضكم - وصلوا على من يطردكم ويحزنكم؛ لكيما تكونوا بني أبيكم الذي في السماوات؛ لأنه المشرق شمسه على الأخيار والأشرار؛ والممطر على الصديقين والظالمين؛ وإذا أحببتم من يحبكم فأي أجر لكم؟! أليس العشارون يفعلون مثل ذلك؟! وإن سلمتم على إخوتكم فقط فأي فضل عملتم؟! أليس كذلك يفعل العشارون؟! وقال
لوقا : إن كنتم إنما تحبون من يحبكم فأي أجر لكم؟! إن الخطأة يحبون من يحبهم؛ وإن صنعتم الخير مع من يحسن إليكم فأي فضل لكم؟! إن الخطأة هكذا يصنعون؛ وإن كنتم إنما تقرضون من تظنون أنكم تأخذون العوض منه فأي فضل لكم؟! إن الخطأة أيضا يقرضون الخطأة لكي يأخذوا منهم العوض؛ لكن حبوا أعداءكم؛ وأحسنوا إليهم؛ وكونوا رحماء مثل أبيكم؛ فهو رؤوف؛ وقال
متى : كونوا أنتم كاملين مثل أبيكم السمائي فهو كامل.
ثم قال في الفصل الثالث والثلاثين: وفي ذلك الزمان
[ ص: 178 ] مر
يسوع في سبت بالزروع؛ وجاع تلاميذه؛ فبدؤوا يفركون سنبلا؛ ويأكلون - وفي
لوقا: كان تلاميذه يقطعون السنبل ويفركون بأيديهم ويأكلون - فلما أبصرهم
الفريسيون قالوا له: ها هو ذا تلاميذك يعملون ما لا يحل في السبت - وفي
لوقا: لماذا تفعلون ما لا يحل أن يفعل في السبوت؟ - فقال لهم: أما قرأتم ما صنع
داود لما جاع هو والذين معه؛ كيف دخل إلى بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة؟ قال
مرقس: وأعطى الذين كانوا معه؛ ثم قال لهم: السبت من أجل الإنسان كان؛ ولم يخلق الإنسان من أجل السبت; قال
متى: أوما قرأتم في الناموس أن الكهنة في السبت في الهيكل ينجسون السبت؛ وليس عليهم جناح! وأقول لكم: إن ههنا أعظم من الهيكل لو كنتم تعلمون ما هو مكتوب؛ إني أريد الرحمة؛ لا الذبيحة؛ لم تحكمون على من لا ذنب له؟ وقال
لوقا: ودخل بيت أحد الرؤساء
الفريسيين في يوم سبت ليأكل خبزا؛ وهم كانوا يرصدونه؛ فإذا إنسان به استسقاء؛ فقال
يسوع للكهنة
والفريسيين: هل يحل أن يبرأ في السبت؟ فسكتوا؛ فأخذه وأبرأه؛ ثم قال لهم: من منكم يقع ابنه في بئر يوم السبت ولا يصعده في الوقت؟ فلم يقدروا أن يجيبوه عن هذا; ثم قال
متى : فجاء
الفريسيون ليجربوه
[ ص: 179 ] قائلين: هل يحل للإنسان أن يطلق امرأته لأجل كل كلمة؟ أجاب: أما قرأتم أن الذي خلق في البدء خلقهما ذكرا وأنثى؛ من أجل ذلك يترك الإنسان أباه وأمه؛ ويلصق بامرأته؛ ويكونان كلاهما جسدا واحدا؛ وليس هما اثنين؛ لكن جسد واحد؛ وما زوجه الله لا يفرقه الإنسان - وقال
مرقس : لا يقدر إنسان يفرقه - قالوا له: لماذا أمر
موسى أن يعطى كتاب الطلاق وتخلى؟ قال لهم:
موسى من أجل قسوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم - وفي
مرقس : إنهم سألوه؛ فقال لهم: بماذا أوصاكم
موسى ؟ قالوا: أمر أن يكتب كتاب الطلاق وتخلى؛ قال لهم
يسوع : من أجل قسوة قلوبكم كتب لكم
موسى هذه الوصية؛ من البدء لم يكن هكذا؛ وأقول لكم: من طلق امرأته من غير زنا فقد ألجأها إلى الزنا؛ ومن تزوج مطلقة فقد زنى؛ وفي إنجيل
مرقس : وفي البيت أيضا سأله التلاميذ عن هذا؛ فقال لهم: من طلق امرأته وتزوج أخرى فقد زنى عليها؛ وإن هي خلت زوجها وتزوجت آخر فهي زانية; وفي
لوقا : كل من يطلق امرأته ويتزوج أخرى فهو يزني؛ وكل من تزوج مطلقة من زوجها فهو يزني; قال
متى : فقال له التلاميذ: إن كان هكذا علة الرجل مع المرأة فخير له ألا يتزوج؛ فقال لهم: ما كل أحد يستطيع هذا الكلام؛ إلا الذين قد أعطوا؛ الآن خصيان ولدوا
[ ص: 180 ] من بطون أمهاتهم؛ وخصيان أخصاهم الناس؛ وخصيان أخصوا نفوسهم من أجل ملكوت السماوات؛ ومن استطاع أن يحتمل فليحتمل.