ولما تم ذلك عطف - سبحانه - على
وإذا ناديتم إلى الصلاة ؛ قوله - دالا على استحقاقهم للعن؛ وعلى ما أخبر به من شرهم؛ وضلالهم؛ بما فضحهم به من سوء أعمالهم؛ دلالة على صحة دين الإسلام؛ بإطلاع شارعه - عليه أفضل الصلاة والسلام - على خفايا الأسرار -:
وإذا جاءوكم ؛ أي: أيها المؤمنون؛ هؤلاء المنافقون من الفريقين؛ وإعادة ضمير الفريقين عليهم لأنهم في الحقيقة منهم؛ ما أفادتهم دعوى الإيمان شيئا عند الله؛ والعدول إلى
[ ص: 214 ] خطاب المؤمنين دال على عطفه على ما ذكرت؛ وفيه إشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم في لحن القول؛ فلا يغتر بخداعهم؛ ولا يسكن إلى مكرهم؛ بما أعطي من صدق الفراسة؛ وصحة التوسم؛
قالوا آمنا ؛ أي: لا تغتروا بمجرد قولهم الحسن؛ الخالي عن البيان بما يناسبه من الأفعال؛ فكيف بالمقترن بما ينفيه منها؟! وقد علم أن الفصل بين المتعاطفين بالآيتين السالفتين لا يضر؛ لكونهما علة للمعطوف عليه؛ فهما كالجزء منه.
ولما ادعوا الإيمان كذبهم - سبحانه - في دعواهم بقوله - مقربا لماضيهم من الحال؛ رجاء لهم غير الدخول؛ لأنها تكاد تظهر ما هم مخفوه؛ فوجب التوقع للتصريح بها -:
وقد ؛ أي: قالوا ذلك والحال أنهم قد؛
دخلوا ؛ أي: إليكم؛
بالكفر ؛ مصاحبين له؛ متلبسين به.
ولما كان المقام يقتضي لهم بعد الدخول حسن الحال؛ لما يرون من سمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجليل؛ وكلامه العذب؛ ودينه العدل؛ وهديه الحسن؛ فلم يتأثروا؛ لما عندهم من الحسد الموجب للعناد؛ أخبر عن ذلك بأبلغ من الجملة التي أخبرت بكفرهم؛ تأكيدا للإخبار عن ثباتهم على الكفر؛ لأنه أمر ينكره العاقل؛ فقال:
وهم ؛ أي: من عند أنفسهم؛ لسوء ضمائرهم؛ وجبلاتهم؛ من غير سبب من أحد منكم؛ لا منك؛ ولا من أتباعك؛
قد خرجوا به ؛ أي: الكفر؛ بعد دخولهم؛ ورؤية ما
[ ص: 215 ] رأوا من الخير؛ دالا على قوة عنادهم بالجملة الاسمية المفيدة للثبات؛ وذكر المسند إليه مرتين؛ وهم بما أظهروا يظنون أنه يخفي ما أضمروا.
ولما كان في قلوبهم من الفساد والمكر بالإسلام؛ وأهله؛ ما يطول شرحه؛ نبه عليه بقوله:
والله ؛ أي: المحيط بجميع صفات الكمال؛ وبكل شيء علما؛ وقدرة؛
أعلم ؛ أي: منهم؛ وممن توسم فيهم النفاق؛
بما كانوا ؛ أي: بما في جبلاتهم من الدواعي العظيمة للفساد؛
يكتمون ؛ أي: من هذا وغيره؛ في جميع أحوالهم؛ من أقوالهم وأفعالهم.