[ ص: 224 ] ولما أثبت بقوله
وليزيدن ؛ أنهم كانوا كفرة قبل إتيان هذا الرسول - عليه السلام -؛ وكرر ما أعده لهم من الخزي الدائم؛ على نحو ما أخبرهم به كتابهم؛ وعظهم؛ ورجاهم - سبحانه -؛ استعطافا لهم؛ لئلا ييأسوا من روح الله؛ على عادة منه في رحمته لعباده؛ ورأفته بهم؛ بقوله (تعالى) - عاطفا على ما تقديره: "فلو أنهم كفوا عن هذه الجرائم العظائم لاضمحلت صغائرهم؛ فلم تكن لهم سيئات" -:
ولو أن ؛ ولما كان الضلال من العالم أقبح؛ قال:
أهل الكتاب ؛ أي: الفريقين منهم؛ ولما كان الإيمان أساس جميع الأعمال؛ قدمه إعلاما بأنه لا نجاة لأحد إلا بتصديق
محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ هذا مع أنه حقيق باشتداد العناية بهم؛ لمبالغتهم في كتمان ما عندهم منه - صلى الله عليه وسلم - فقال:
آمنوا ؛ أي: بهذا النبي الكريم؛ وما أنزل إليه من هذا الهدى؛
واتقوا ؛ أي: ما هددوا به في كتابهم على ترك الإيمان به؛ على حسب ما دعاهم إليه كتابهم؛ كما في قصة
إسماعيل؛ وغيرها؛ إلى أن كان آخر ما فارقهم عليه
موسى - عليه السلام - في آخر كتابهم التصريح بنبوته - عليه السلام - والإشارة إلى أن اتباعه أحق من اتباعه؛ فقال: (جاء ربنا من
سيناء; وشرق من
ساعير؛ وتبدى من
جبال فاران - فأضاف الرب إليهم؛ وجعل الإتيان من
جبال فاران - التي هي
مكة؛ لا نزاع لهم في ذلك - تبديا وظهورا ؛ أي: لا خفاء
[ ص: 225 ] به بوجه؛ ولا ظهور أتم منه؛
لكفرنا ؛ وأشار إلى عظيم جرأتهم بمظهر العظمة؛
عنهم سيئاتهم ؛ أي: التي ارتكبوها قبل مجيئه؛ وهي مما يسوء؛ أي: يشتد تنكر النفس له؛ أو تكرهها؛ وأشار إلى سعة رحمته؛ وأنها لا تضيق عن شيء أراده بمظهر العظمة؛ فقال:
ولأدخلناهم ؛ أي: بعد الموت؛
جنات النعيم ؛ أي: بدل ما هم فيه من هذا الشقاء الذي لا يدانيه شقاء.