ولما نفى عنهما الصلاحية لرتبة الإلهية للذات؛ أتبعها نفي ذلك من حيث الصفات؛ فقال - منكرا؛ مصرحا بالإعراض عنهم؛ إشارة إلى أنهم ليسوا أهلا للإقبال عليهم -:
قل ؛ أي: للنصارى؛ أيها الرسول الأعظم؛
أتعبدون ؛ ونبه على أن كل شيء دونه؛ وأنهم اتخذوهم وسيلة إليه؛ بقوله:
من دون الله ؛ ونبه بإثبات الاسم الأعظم على أن له جميع الكمال؛ وعبر عما عبدوه بأداة ما لا يعقل؛ تنبيها على أنه - سبحانه - هو الذي
[ ص: 257 ] أفاض عليه ما رفعه عن ذلك الحيز؛ ولو شاء لسلبه عنه؛ فقال:
ما لا يملك لكم ضرا ؛ أي: من نفسه؛ فتخشوه؛
ولا نفعا ؛ أي: فترجوه؛ ليكون لكم نوع عذر؛ أو شبهة؛ ولا هو سميع يسمع كل ما يمكن سمعه؛ بحيث يغيث المضطر إذا استغاث به في أي مكان كان؛ ولا عليم يعلم كل ما يمكن علمه؛ بحيث يعطي على حسب ذلك؛ وكل ما يملك من ذلك فبتمليك الله له؛ كما ملككم من ذلك ما شاء.
ولما نفى عنه ما ذكر؛ تصريحا؛ وتلويحا؛ أثبته لنفسه المقدسة كذلك؛ فقال:
والله ؛ أي: والحال أن الملك الذي له الأسماء الحسنى؛ والصفات العلا؛ والكمال كله؛
هو ؛ أي: خاصة؛
السميع العليم ؛ وهو وحده الضار النافع؛ يسمع منكم هذا القول؛ ويعلم هذا المعقد السيئ؛ وإنما قرن بـ "السميع"؛ "العليم"؛ دون "البصير"؛ لإرادة التهديد لمن عبد غيره؛ لأن العبادة قول؛ أو فعل؛ ومن الفعل ما محله القلب؛ وهو الاعتقاد؛ ولا يدرك بالبصر؛ بل بالعلم؛ والآية - كما ترى - من الاحتباك: "دل بما أثبته لنفسه على سبيل القصر على نفيه في الجملة الأولى عن غيره؛ وبما نفاه في الجملة الأولى عن غيره على إثباته له؛ والله الموفق.