ولما أخبر بإقرارهم على المناكر؛ دل على ذلك بأمر ظاهر منهم؛ لازم؛ ثابت؛ دائم؛ مقوض لبنيان دينهم؛ فقال - موجها بالخطاب لأصدق الناس فراسة؛ وأوفرهم علما؛ وأثبتهم توسما؛ وفهما -:
ترى كثيرا منهم ؛ أي: من أهل الكتاب; ولما كان الإنسان لا ينحاز إلى حزب الشيطان إلا بمنازعة الفطرة الأولى السليمة؛ أشار إلى ذلك بـ "التفعل"؛ فقال:
يتولون ؛ أي: يتبعون بغاية جهدهم؛
الذين كفروا ؛ أي: المشركين؛ مجتهدين في ذلك؛ مواظبين عليه؛ وليس أحد منهم ينهاهم عن ذلك؛ ولا يقبحه عليهم؛ مع شهادتهم عليهم بالضلال؛ هم وأسلافهم؛ إلى أن جاء هذا النبي الذي كانوا له في غاية الانتظار؛ وبه في نهاية الاستبشار؛ وكانوا يدعون الإيمان به؛ ثم خالفوه؛ فمنهم من استمر على المخالفة ظاهرا؛ وباطنا؛ ومنهم من ادعى أنه تابع واستمر على المخالفة باطنا؛ فكانت موالاته للمشركين دليلا على كذب دعواه؛ ومظهرة لما أضمره من المخالفة وأخفاه.
ولما كان ذلك منهم ميلا مع الهوى بغير دليل أصلا؛ قال:
[ ص: 267 ] لبئس ما قدمت ؛ أي: تقديم النزل للضيف؛
لهم أنفسهم ؛ أي: التي من شأنها الميل مع الهوى؛ ثم بين المخصوص بالذم - وهو ما قدمت - بقوله:
أن سخط الله ؛ أي: وقع سخطه؛ بجميع ما له من العظمة؛
عليهم ؛ ولما كان من وقع السخط عليه يمكن أن يزول عنه؛ قال - مبينا أن مجرد وقوعه جدير بكل هلاك -:
وفي العذاب ؛ أي: الكامل؛ من الأدنى في الدنيا؛ والأكبر في الآخرة؛
هم خالدون