ولما اتخذوه دينا؛ واعتقدوه شرعا؛ ومضى عليه أسلافهم؛ دعتهم الحظوظ؛ والأنفة من نسبة آبائهم إلى الضلال؛ والشهادة عليهم بالسفه؛ إلى الإصرار عليه؛ وعدم الرجوع عنه؛ بعد انكشاف قباحته؛ وبيان شناعته؛ حتى أفنى أكثرهم السيف؛ ووطئتهم الدواهي؛ فوطأت أكتافهم؛ وذللت أعناقهم؛ وأكنافهم؛ فقال (تعالى) - دالا على ختام الآية التي قبل؛ من عدم عقلهم -:
وإذا قيل لهم ؛ أي: من أي قائل كان؛ ولو أنه ربهم؛ بما ثبت من كلامهم بالعجز عنه أنه كلامه؛
تعالوا ؛ أي: ارفعوا أنفسكم عن هذا الحضيض السافل؛
إلى ما أنـزل الله ؛ أي: الذي لا أعظم منه؛ وقد ثبت أنه أنزله بعجزكم عنه؛
وإلى الرسول ؛ أي: الذي من شأنه - لكونه - سبحانه - أرسله؛ أن يبلغكم ما يحبه لكم؛ ويرضاه؛
قالوا حسبنا ؛ أي: يكفينا؛
ما وجدنا عليه آباءنا ؛ ولما كانوا عالمين بأنه ليس في آبائهم عالم؛ وأنه من تأمل أدنى تأمل عرف أن الجاهل لا يهتدي إلى شيء؛ قال - منكرا عليهم؛ موبخا لهم:-
[ ص: 323 ] أولو ؛ أي: يكفيهم ذلك إذا قالوا ذلك؛ ولو
كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ؛ أي: من الأشياء؛ حق علمه؛ لكونهم لم يأخذوه عن الله؛ بطريق من الطرق الواصلة إليه؛ ولما كان من لا يعلم قد يشعر بجهله؛ فيتعلم؛ فيهتدي؛ فيصير أهلا للاقتداء به؛ وقد لا يشعر لكون جهله مركبا؛ فلا يجوز الاقتداء به؛ بين أنهم من أهل هذا القسم؛ فقال:
ولا يهتدون ؛ أي: لا يطلبون الهداية؛ فلا توجد هدايتهم إلى صواب؛ لأن من لا يعلم لا صواب له؛ لأنه ليس للهدى آلة سوى العلم؛ وأدل دليل على عدم هدايتهم أنهم ضيعوا الطيب من أموالهم؛ فاضطرهم ذلك إلى أكل الخبيث من الميتة؛ وأغضبوا بذلك خالقهم؛ فدخلوا النار؛ فلا أقبح مما يختاره لنفسه المطبوع على الكدر؛ ولا أحسن مما يشرعه له رب البشر؛ وهذه الآية ناظرة إلى قوله (تعالى) - في سورة "النساء" -:
إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ؛ إلى قوله:
ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ؛ فالتفت حينئذ إلى قوله:
رجس من عمل الشيطان ؛ أي التفات.