ولما كانت ترجمة ما مضى : ثم هم يعدلون بربهم غيره ويكذبونك فيما جئت به من الحق مع ما أوضحت عليه من الحجج ونصبت من الدلائل ، وكان - صلى الله عليه وسلم - شديد الحرص على إيمانهم ، كان المقام يقتضي أن يقول لسان الحال : أنزل عليهم يا رب ما ينتقلون به من النظر بالفكر إلى العيان كما اقترحوا علي ، فأخبره أنهم لا يؤمنون بذلك ، بقوله عطفا على
وما تأتيهم من آية تحقيقا له وتصويرا في جريته :
ولو نـزلنا أي : على ما لنا من العظمة
عليك كتابا أي : مكتوبا من السماء
[ ص: 25 ] في قرطاس أي : ورق ، إجابة لما أشار عليهم اليهود باقتراحه ، ثم حقق أنه واضح الأمر ، ليس بخيال ولا فيه نوع لبس بقوله :
فلمسوه أي : زيادة على الرؤية . وزاد في التحقيق والتصوير ودفع التجوز بقوله :
بأيديهم لقال وأظهر ولم يضمر تعليقا للحكم بالوصف وتنبيها على أن من الموجودين من يسكت ويؤمن ولو بعد ذلك ، فقال :
الذين كفروا أي : حكما بتأبد كفرهم سترا للآيات عنادا ومكابرة ، ولعله أسقط منهم إشارة إلى عموم دعوته ، أي : من
العرب ومن غيرهم من أمة دعوتك ، ولا سيما اليهود المشار إلى تعنتهم وكذبهم بقوله
يسألك أهل الكتاب أن تنـزل عليهم كتابا من السماء إن أي : ما
هذا إلا سحر أي : تمويه وخيال لا حقيقة له ، وزادوا في الوقاحة فقالوا :
مبين أي : واضح ظاهر ، قال صاحب كتاب (الزينة) : معنى السحر في كلام
العرب التعليل بالشيء والمدافعة به والتعزير بشيء لا محصول له ، يقال : سحره - إذا علله وعزره وشبه عليه حتى لا يدري من أين يتوجه ويقلب عن وجهه ، فكأن السحرة يعللون الناس بالباطل ويشبهون الباطل في صورة الحق ويقلبونه عن جهته .