وقوله :
ولو ترى متصل بذلك ، أي : قالوا هذا القول لما أخبرتهم بالبعث ، فساءك ذلك من قولهم والحال أنك لو رأيت اعترافهم به إذا سألهم خالقهم لسرك ذلك من ذلهم وما يؤول إليه أمرهم ، وعبر بالمضارع تصويرا لحالهم ذلك ، وقوله :
إذ وقفوا على ربهم مجازا عن الحبس في مقام من مقامات الجلال بما اقتضاه إضافة الرب إليهم ، أي : الذي طال إحسانه إليهم وحلمه عنهم ، فأظهر لهم ما أظهر في ذلك
[ ص: 89 ] المقام من تبكيتهم وتوبيخهم وتقريعهم ، وأطلعهم بما يقتضيه أداة الاستعلاء - على ما له سبحانه من صفات العظمة من الكبرياء والانتقام من التربية إذ لم يشكروا إحسانه في تربيتهم ، وسياق الآية يقتضي أن يكون الجواب : لرأيتهم قد منعتهم الهيبة وعدم الناصر وشدة الوجل من الكلام ، فكأن سائلا قال : المقام يرشد إلى ذلك حتى كأنه مشاهد فهل يكلمهم الله لما يشعر به التعبير بوصف الربوبية ; قيل : نعم ، لكن كلام إنكار وإخزاء وإذلال
قال أليس هذا أي : الذي أتاكم به رسولي من أمر البعث وغيره مما ترونه الآن من دلائل كبريائي
بالحق أي : الأمر الثابت الكامل في الحقية الذي لا خيال فيه ولا سحر
قالوا أي : حين إيقافهم عليه ، فكان ما أراد :
بلى وزادوا على ما أمروا به في الدنيا القسم فقالوا :
وربنا أي : الذي أحسن إلينا بأنواع الإحسان ، وكأن كلامهم هذا منزل على حالات تنكشف لهم فيها أمور بعد أخرى ، كل أمر أهول مما قبله ، ويوم القيامة - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - ذو ألوان : تارة لا يكلمهم الله ، وتارة يكلمهم فيكذبون ، وتارة يسألهم عن شيء فينكرون ، فتشهد
[ ص: 90 ] جوارحهم ، وتارة يصدقون كهذا الموقف ويحلفون على الصدق .
ولما أقروا قهرا بعد كشف الغطاء وفوات الإيمان بالغيب بما كانوا به يكذبون ، تسبب عنه إهانتهم ، فلذا قال مستأنفا :
قال أي : الله مسـببا عن اعترافهم حيث لا ينفع ، وتركهم في الدنيا حيث كان ينفع
فذوقوا العذاب أي : الذي كنتم به توعدون
بما كنتم تكفرون أي : بسبب دوامكم على ستر ما دلتكم عليه عقولكم من صدق رسولكم ، ولا شك أن الكلام - وإن كان على هذه الصورة - فيه نوع إحسان ؛ لأنه أهون من التعذيب مع الإعراض في مقام
اخسئوا فيها ولا تكلمون ولذلك [كان ذلك] آخر المقامات .