ولما كان التقدير بعد التذكير بهذه الآية التي تنوعت فيها الآيات
[ ص: 108 ] وتكررت وتكثرت فيها الدلالات ؛ فالذين آمنوا أحياء سامعون لأقوالنا ، ناطقون بمحامدنا راؤون لأفعالنا - عطف عليه قوله :
والذين كذبوا أي : أوقعوا التكذيب
بآياتنا أي : على ما لها من العظمة المقتضية لإضافتها إلينا ، مرئية كانت أو مسموعة ، تكذيبا متكررا على عدد الآيات بالفعل أو بالقوة ولو بالإعراض عنها
صم أي : أموات فهم لا يسمعون
وبكم لا ينطقون
في الظلمات أي : عمي لا يبصرون ، فلذلك لا يزالون خابطين خبط العشواء ساعين غاية السعي إلى الردى ؛ لأن ذلك شأن من في الظلمة ، فكيف بمن هو في جميع الظلمات! ولعله جمعها إشارة إلى أن المكذب لا ينتفع ببصر ولا ببصيرة ، وذلك أنهم لما لم ينتفعوا بحياتهم ولا بأسماعهم ولا نطقهم ولا أبصارهم ولا عقولهم كان كل ذلك منهم عدما .
ولما بين أن الأصم الأبكم الأعمى لا تمكن هدايته بين أن ذلك إنما هو بالنسبة لغيره - سبحانه - فطما عن طلب إجابتهم إلى ما يقترحون من الآيات ، وأما هو سبحانه ففعال لما يريد ، فقال في جواب من كأنه قال : إنما تمكن هدايتهم :
من يشأ الله - أي : الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه - إضلاله
يضلله ومن يشأ هدايته
[ ص: 109 ] يجعله وأشار إلى تمكينه بأداة الاستعلاء ، فقال :
على صراط مستقيم بأن يخلق الهداية في قلبه - ومن يهد الله فما له من مضل ومن يضلل الله فما له من هاد ، مع أن الكل عباده وخلقه ، متقلبون في نعمه ، غادون رائحون في بره وكرمه - إن في ذلك على وحدانيته وتمام قدرته لآيات بينات لقوم يعقلون .