ولما قدم التنبيه بإتيان مطلق العذاب في مطلق الأحوال ، وكان الإتيان بالكاف ثم مشيرا مع إفادة التأكيد إلى أن ثم نوع مهلة ، وأتبعه أن أخذ الأمم كان بغتة - أعقبه التنبيه بعذاب خاص تصور شناعته يهذأ الأركان ويقطع الكبود ويملأ الجنان ، فإنه لا أشنع حالا من أصم أعمى مجنون ، فقال مشيرا - بإسقاط كاف الخطاب مع التعبير بالأخذ الذي عهد أنه للبغت بالسطوة والقهر - إلى غاية التحذير من سرعة أي
[ ص: 118 ] الأخذ :
قل أرأيتم فكانت حقيقة المقترن بالكاف : هل رأيتم أنفسكم ، وهذا هل رأيتم مطلق رؤية ، لما تقدمت الإشارة إليه من الإيماء إلى طلب الإسراع بالجواب خوف المفاجأة بالعذاب وإن كان المراد في الموضعين : أخبروني
إن أخذ الله أي : القادر على كل شيء العالم بكل شيء
سمعكم وأفرده لقلة المفاوتة فيه ؛ لأنه أعظم الطرق لإدراك القلب الذي لا أعظم من المفاوتة فيه حتى للإنسان الواحد بالنسبة إلى الأحوال المختلفة ، ليكون ذلك أدل على الفعل بالاختيار
وأبصاركم أي : فأصمكم وأعماكم عمى وصمما ظاهرين وباطنين بسلب المنفعة
وختم على قلوبكم فجعلها لا تعي أصلا ، أو لا تنتفع بالوعي
من إله أي : معبود بحق ؛ لأن
له إحاطة العلم والقدرة; ثم وصف هذا الخبر بقوله :
غير الله أي : الذي له جميع العظمة
يأتيكم به أي : بذلك الذي هو أشرف معاني أشرف أعضائكم ، أو بشيء منه .
ولما بلغت هذه الآيات - من الإبلاغ في البيان في
وحدانيته وبطلان كل معبود سواه - أعلى المقامات ... نبه على أنه على ذلك ، بالأمر بالنظر فيها وفي حالهم بعدها ، دالا على ما تقدم من أن المقترحات لا تنفع من أراد - سبحانه - شقاوته ، فقال :
انظر كيف نصرف [أي] : بما لنا من العظمة
الآيات أي : نوحيها لهم ولغيرهم في كل وجه
[ ص: 119 ] من وجوه البيان بالغ من الإحسان ما يأخذ بالعقول ويدهش الألباب ، ويكون كافيا في الإيصال إلى المطلوب; ولما كان الإعراض عن مثل هذا في غاية البعد عبر بأداة التراخي فقال :
ثم هم أي : بعد هذا البيان بصميم ضمائرهم
يصدفون أي : يعرضون إعراضا لازما لهم لزوم الصفة .