ولما أمره بدعاء من أعرض عنه ومجاهرته - أمره بحفظ من تبعه وملاطفته ، فقال :
ولا تطرد الذين يدعون وهم الفقراء من المسلمين
ربهم أي : المحسن إليه عكس ما عليه الكفار في دعاء من لا يملك لهم ضرا ولا نفعا; ثم بين من حالهم من الملازمة ما يقتضي الإخلاص ، فقال :
بالغداة والعشي أي : في طرفي النهار مطلقا
[ ص: 127 ] أو بصلاتيهما أو يكون كناية عن الدوام; ثم أتبع ذلك نتيجته فقال معبرا عن الذات بالوجه ؛ لأنه أشرف - على ما نتعارفه - وتذكره يوجب التعظيم ويورث الخجل من التقصير :
يريدون وجهه أي : لأنه لو كان رياء لاضمحل على طول الزمان وتناوب الحدثان باختلاف الشأن .
ولما كان أكابر المشركين وأغنياؤهم قد وعدوه - صلى الله عليه وسلم - الاتباع إن طرد من تبعه ممن يأنفون من مجالستهم ، وزهدوه فيهم بفقرهم وبأنهم غير مخلصين في اتباعه ؛ إنما دعاهم إلى ذلك الحاجة - بين له تعالى أنه لا حظ له في طردهم ولا في اتباع أولئك بهذا الطريق إلا من جهة الدنيا التي هو مبعوث للتنفير عنها ، فقال معللا لما مضى أو مستأنفا :
ما عليك قدم الأهم عنده وهو تحمله
من حسابهم وأغرق في النفي فقال :
من شيء أي : ليس لك إلا ظاهرهم ، وليس عليك شيء من حسابهم ، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين
وما من حسابك قدم أهم ما إليه أيضا
عليهم من شيء أي : وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا عليك فيه على تقدير غشهم ، أو ليس عليك من رزقهم
[ ص: 128 ] شيء فيثقلوا به عليك ، وما من رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم ، بل الرازق لك ولهم الله; ثم أجاب النفي مسببا عنه فقال :
فتطردهم أي 0 : فتسبب عن أحد الشيئين طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك ، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ; والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي
ما عليك من حسابهم - إلى آخرهما راجعا إلى آية الكهف
ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا فيكون المعنى ناظرا إلى الرزق ، يعني : أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي ، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر بهم وترغب في الأغنياء ، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا عنه ، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى; قال صاحب القاموس وغيره : الحساب : الكافي ، ومنه
عطاء حسابا وحسب فلان فلانا : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12076أبو عبيد الهروي : يقال : أعطيته فأحسبته ، أي : أعطيته الكفاية حتى قال : حسبي ، وقوله : " يرزق من يشاء بغير حساب " أي : بغير تقتير وتضييق ، وفي حديث سماك : ما حسبوا ضيفهم ،
[ ص: 129 ] أي : ما أكرموه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس في المجمل : وأحسبته : أعطيته ما يرضيه ، وحسبته أيضا ، وأحسبني الشيء : كفاني .
ولما نهاه عن طردهم مبينا أنه ضرر لغير فائدة ، سبب عن هذا النهي قوله
فتكون من الظالمين أي : بوضعك الشيء في غير محله ، فإن طردك هؤلاء ليس سببا لإيمان أولئك ، وليس هدايتهم إلا إلينا ، وقد طلبوا منا فيك لما فتناهم بتخصيصك بالرسالة ما لم يخف عليك من قولهم :
لولا أنـزل عليه ملك ونحوه مما أرادوا به الصرف عنك ، فكما لم نقبلهم فيك فلا تقبلهم أنت في أوليائنا ، فإنا فتناهم بك حتى سألوا فيك ما سألوا وتمنوا [ما تمنوا]