ولما كانوا بإشراكهم كأنهم يظنون أن الشدة زالت عنهم زوالا لا يعود ، وكان اللائق بهم دوام التذلل إما وفاء وإما خوفا - أخبرهم ترهيبا لهم من سطوته وتحذيرا من بالغ قدرته أن شدتهم تلك التي أذلتهم لم تزل في الحقيقة ، فإن قدرة الملك عليها حالة الرخاء كقدرته عليها في وقتها سواء ، فإنه خالق الحالتين وأسبابهما وما فيهما ، ولكنهم عمي الأبصار أجلاف الطبائع ، فقال :
قل هو أي : وحده
القادر ولم يصغه صيغة مبالغة لأنهم لم يكونوا ينكرون قدرته إنما كانوا يدعون المشاركة التي نفاها بالتخصيص ، على أن التعريف يفيد به المبالغة
على أن يبعث أي : في أي وقت يريده
عليكم أي : في كل حالة
عذابا من فوقكم بإسقاط السماء قطعا أو شيء منها كالحجارة التي حصب بها قوم
لوط وأصحاب الفيل أو بتسليط أكابركم
[ ص: 144 ] أو من تحت أرجلكم أي : بالخسف أو إثارة الحيات أو غيرها من الأرض كما وقع لبعض من سلف ، أو بتسليط سفلتكم وعبيدكم عليكم
أو يلبسكم أي : يخلط بينكم حال كونكم
شيعا أي : متفرقين ، كل شيعة على هوى ، فيكون ذلك سببا للسيف
ويذيق بعضكم أي : بعض تلك الشيع
بأس بعض فيساوي في ذلك بين الحرم وغيره ، ويصير التخطف بالنهب والغارات عاما ، وسوق هذا الكلام هكذا يفهم إيقاعه في وقت ما لناس ما ؛ لأن كلام الملوك يصان عن أن لا يكون له صورة توجد وإن كان على سبيل الشرط ونحوه ، فكيف بملك الملوك علام الغيوب ! وللتدريب على مثل هذا الفهم في كلام الله تعالى قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي في التفسير عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665362أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد .
وقال : حسن غريب ، وسيأتي لهذا مزيد بسط وتحقيق في قوله تعالى في الفرقان
تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك
ولما كان هذا بيانا عظيما - أشار إلى عظمه بقوله :
انظر وعظمه تعظيما آخر بالاستفهام فقال
كيف نصرف الآيات أي : نكررها موجهة في جميع الوجوه البديعة النافعة البليغة
لعلهم يفقهون أي : ليكون حالهم حال من يرجى فهمه وانتفاعه به ، كان هذا