ولما كان مضمون هذه الآيات مضمون الآيات الثلاث المفتتح بها السورة الهادمة لمذهب
الثنوية ، وهم أهل
فارس قوم
إبراهيم - عليه السلام - وكان
إبراهيم - عليه السلام - يعرف بفضله جميع الطوائف ؛ لأن أكثرهم من نسله كاليهود والنصارى والمشركين من
العرب ، والمسلمون لما يعلمون من إخلاصه لله تعالى وانتصابه لمحاجة من أشرك به واحتمال الأذى فيه - سبحانه - تلاها بمحاجته لهم بما أبطل مذهبهم وأدحض حججهم فقال :
وإذ أي : اذكر ذلك المتقدم كله لهم في الدلائل على اختصاصنا بالخلق وتمام القدرة ، ما أعظمه وما أجله وأضخمه! وتفكر في عجائبه وتدبر في دقائقه وغرائبه تجد ما لا يقدر على مثله إلا الله ، واذكر إذ
قال إبراهيم أي : اذكر قوله ، وحكمة
[ ص: 156 ] التذكير بوقته التنبيه على أن هذا لم يزل ثابتا مقررا على ألسنة جميع الأنبياء في جميع الدهور ، وكان في هذه المحاجة التصريح بما لوح إليه أول هذه السورة من إبطال هذا المذهب ، وانعطف هذا على ذاك أي انعطاف ! وصار كأنه قيل : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون الأصنام والنجوم والنور والظلمة ، فنبههم يا رسول الله على ذلك بأنه لا متصرف غيرنا ، اذكر لهم أني أنا الذي خلقتهم وخلقت جميع ما يشاهدون من الجواهر والأعراض ، فإن تنبهوا فهو حظهم ، وإلا فاذكر لهم محاجة خليلنا
إبراهيم - عليه السلام - إذ قال
لأبيه ثم بينه في قراءة الجر بقوله :
آزر وناداه في قراءة
يعقوب بالضم ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في ( تاريخه الكبير ) :
إبراهيم بن آزر ، وهو في التوراة :
تارح . انتهى .
وقد مضى ذلك عن التوراة في البقرة ، فلعل أحدها لقب ، وكان أهل تلك البلاد وهم
الكلدانيون ، ويقال لهم أيضا
الكسدانيون - بالمهملة موضع اللام - يعتقدون إلهية النجوم في السماء والأصنام في الأرض ويجعلون لكل نجم صنما ، إذا أرادوا التقرب إلى ذلك النجم عبدوا ذلك الصنم ليشفع لهم - كما زعموا - إلى النجم ، فقال - عليه السلام - لأبيه منكرا عليه منبها له على ظهور فساد ما هو مرتكبه :
أتتخذ أي : أتكلف نفسك
[ ص: 157 ] إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى بأن تجعل
أصناما آلهة أي : تعبدها وتخضع لها ولا نفع فيها ولا ضر ، فنبهه بهذا الإنكار على أن معرفة بطلان ما هو متدين به لا يحتاج إلى كثير تأمل ، بل هو أمر بديهي أو قريب منه ، فإنهم يباشرون أمرها بجميع جوانبهم ويعلمون أنها مصنوعة وليست بصانعة ، وكثرتها تدل على بطلان إلهيتها بما أشار إليه قوله تعالى :
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا
ولما خص بالنصيحة أقرب الخلق إليه ، عم بقية أقاربه فقال :
إني أراك وقومك أي : في اتفاقكم على هذا
في ضلال أي : بعد عن الطريق المستقيم
مبين أي : ظاهر جدا ببديهة العقل مع مخالفته لكل نبي نبأه الله تعالى من
آدم - عليه السلام - فمن بعده ، فهو مع ظهوره في نفسه مظهر للحق من أن الإله لا يكون إلا كافيا لمن يعبده ، وإلا كان فقيرا إلى تأله من يكفيه .