ثم أتبعهم من لم يكن بينهما وبين الملوك
[ ص: 176 ] أمر ، وهدى بهما من كان بين ظهرانيه ، فقال :
وإسماعيل واليسع هذا إن كان
اليسع هو ابن
أخطوب بن العجوز خليفة
إلياس ، كما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي في سورة الصافات أن الله تعالى أرسل إلى
إلياس - وهو من سبط
لاوي من نسل
هارون - عليه السلام - فرسا من نار فركبه فرفعه الله وقطع عنه لذة المطعم والمشرب ، وكساه الريش ، فكان إنسيا ملكيا أرضيا سماويا ، وسلط الله على آجب - يعني : الملك الذي سلط على
إلياس - عدوا فقتله ونبأ الله
اليسع وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل ، وأيده فآمنت به بنو إسرائيل وكانوا يعظمونه وإن كان
اليسع هو
يوشع بن نون - كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم - فالمناسبة بينه وبين
إسماعيل - عليهما السلام - أن كلا منهما كان صادق الوعد ؛ لأن
يوشع أحد النقيبين اللذين وفيا
لموسى - عليه السلام - حين بعثهم يجسون بلاد
بيت المقدس كما أشير إليه في قوله تعالى :
ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقوله
قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما وأيضا فكل منهما كان سبب عمارة بلد الله الأعظم بالتوحيد ،
فإسماعيل سبب عمارة
مكة المشرفة ،
ويوشع سبب عمارة البلدة المقدسة - كما سيأتي
[ ص: 177 ] في سورة
يونس إن شاء الله تعالى - .
ولما كان
إسماعيل واليسع ممن هدى الله بهما قومهما من غير عذاب ، أتبعهما من هدى الله قومه بالعذاب وأنجاهم بعد إتيان مخايله فقال :
ويونس أي : هديناه. ولما انقضت ذرية
إبراهيم - عليه السلام - ختم بابن أخيه الذي ضل قومه فهلكوا بغتة ، فبين قصتي هذين الآخرين طباق من جهة الهلاك والنجاة ، ووفاق من حيث إن كلا منهما أرسل إلى غير قومه فقال :
ولوطا ثم وصفهم بما يعم من قبلهم ، فقال :
وكلا أي : ممن ذكرنا
فضلنا أي : بما لنا من العظمة بتمام العلم وشمول القدرة
على العالمين فكل هؤلاء الأنبياء ممن هداه الله بهداه وجاهد في الله حق جهاده ، وبدأهم تعالى
بإبراهيم - عليه السلام - وختمهم بابن أخيه
لوط - عليه السلام - على هذه المناسبة الحسنة; وقيل : إن الله تعالى أهلك قوم
إبراهيم -
نمرود وجنوده - بعد هجرته ، فإن صح ذلك تمت المناسبة في هلاك كل من قومه وقوم ابن أخيه
لوط بعد خروج نبيهم عنهم ، فيكون بينهما وفاق كما كان بين قصته وقصة
يونس - عليه السلام - طباق .
ومن لطائف ترتيبهم هكذا أيضا أن
إسماعيل - عليه السلام - يوازي
نوحا - عليه السلام - فإنه رابع في العد لهذا العقد إذا عددته من آخره ، كما أن
نوحا - عليه السلام - رابعه إذا عددته من أوله ، والمناسبة بينهما أن
[ ص: 178 ] نوحا - عليه السلام - نشر الله منه الآدميين حتى كان منهم
إبراهيم - عليه السلام - الذي جعله الله أبا للأنبياء والمرسلين ،
وإسماعيل - عليه السلام - نشر الله منه
العرب الذين هم خلاصة الخلق حتى كان منهم
محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي جعله الله خاتم الأنبياء والمرسلين ، فهذا كان بداية وهذا كان نهاية ، وأن المذكورين قبل ذرية
إبراهيم - عليه السلام - وبعدها - وهما
نوح ولوط عليهما السلام - أهلك الله قوم كل منهما عامة ، وغيب هؤلاء في جامد الأرض كما أغرق أولئك في مانع الماء ، وأشقى بكل منهما زوجته ، بيانا لأن الرسل كما يكونون لناس رحمة يكونون على قوم نقمة ، وأنه لا نجاة بهم ولا انتفاع إلا بحسن الاتباع ، وأن
ابن عمران اشترك مع
إبراهيم - عليهم السلام - في أن كلا من ملكي زمانهم أمر بقتل الغلمان خوفا ممن يغير دينه ويسلبه ملكه ، وكما أن الله تعالى أنجى
إبراهيم - عليه السلام - وابن أخيه
لوطا - عليه السلام - من ملك زمانهما المدعي للإلهية فكذلك أنجى
موسى وأخاه
هارون - عليهما السلام - من ملك زمانهما المدعي للآلهة ، وأنجى ذرية
إبراهيم بهما ، فإذا جعلت
إبراهيم وابن أخيه
لوطا - لكونه تابعا له - واحدا ،
وموسى وأخاه
هارون واحدا لمثل ذلك ، ونظمت أسماء جميع هذه
[ ص: 179 ] الأنبياء في سلك النقي :
لوط مع
إبراهيم كموسى مع
هارون ، وكان الأربعة واسطة عقدة ، فبين
إبراهيم وموسى حينئذ سبعة كما أن بين
هارون ولوط سبعة ، وإذا ضممت إليهم المقصود بالذات المخاطب بهذه الآيات المأمور بقوله
فبهداهم اقتده كان منزله في السلك بين ابن عمه
لوط وأبيه
إبراهيم ، ويكون من بين يديه تسعة ، ومن خلفه تسعة ، فمن
إبراهيم إلى
موسى تسعة ، ومن
لوط إلى
هارون كذلك ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسط العقد ومكمل العقد ، فإنه العاشر من كل جانب ، فبه تكمل الهدى وإيجاب الردى ، وذلك طبق قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653271 ( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، هذا مع اقترانه بأقرب أولي العزم رتبة ونسبا صاحب القصة
إبراهيم - عليه السلام - وإن جعلت
موسى وهارون عليهما السلام كشيء واحد كانا واسطة من الجانب الآخر ، فإن عددت من جهة
إبراهيم - عليه السلام - كان بينه وبينهما ثمانية ، وإن عددت
[ ص: 180 ] من جهة
لوط - عليه السلام - كان كذلك .