وزاد في الترهيب من التواني في السير والزيغ عن سوء القصد بقوله :
أولئك أي : العالو الرتبة الذين قدمنا ذكرهم وأخبرنا أنهم لو أشركوا سقطت أعمالهم
الذين آتيناهم أي : بعظمتنا
الكتاب أي : الجامع لكل خير ، فمن ملك ما فيه من العلوم والمعارف حكم على البواطن ، وذلك لأن الناس يحبونه فينقادون له ببواطنهم
والحكم أي : العمل المتقن بالعلم ، ومنه نفوذ الكلمة على الظواهر بالسلطنة وإن كرهت البواطن
والنبوة أي : العلم المزين بالحكم وهي وضع كل شيء في أحق مواضعه ، فهي جامعة للمرتبتين الماضيتين ؛ فلذلك كان الأنبياء يحكمون على البواطن بما عندهم
[ ص: 182 ] من العلم ، وعلى الظواهر بما يظهر من المعجزات; ثم سبب عن تعظيمها بذلك تعظيمها بأنها لا تبور ، فقال تسلية عن المصيبة بطعن الطاعنين فيها وإعراض الجاهلين عنها ، وترجية عندما يوجب اليأس من نفرة أكثر المدعوين :
فإن يكفر بها أي : هذه الأشياء العظيمة
هؤلاء أي : أهل
مكة الذين أنت بين أظهرهم ، وقد حبوناهم بها على أتم وجه وأكمله وأعلاه وأجمله ، وأنت تدعوهم إلى أن يكونوا سعداء بما اشتملت عليه من الهدى وهم عنه معرضون ، ولعل الإشارة على هذا الوجه لتحقيرهم
فقد وكلنا أي : لما لنا من العظمة في الماضي والحال والاستقبال
بها قوما أي : ذوي قوة على القيام بالأمور بالإيمان بها والحفظ لحقوقها
ليسوا وقدم الجار اهتماما فقال :
بها بكافرين أي : بساترين الشيء مما ظهر من شموس أدلتها ، وهم الأنبياء ومن تبعهم ، وقد صدق الله - ومن أصدق من الله حديثا ! فقد جاء في هذه الأمة من العلماء الأخيار والراسخين الأحبار من لا يحصيهم إلا الله .