ولما أثبت - سبحانه - أنه الذي أنزل التوراة والإنجيل تكميلا لإثبات الرسالة بدليل علم اليهود دون من لا كتاب لهم - عطف على ذلك قوله تأكيدا لإثباتها وتقريرا :
وهذا أي : القرآن الذي هو حاضر الآن في جميع الأذهان
كتاب أي : جامع لخيري الدارين ، وكان السياق لأن يقال : أنزل الله ، ولكنه أتى بنون العظمة ، لأنها أدل على تعظيمه ، فقال :
أنـزلناه أي : وليس من عند
محمد - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 188 ] من نفسه ، وإنما هو بإنزالنا إياه إليه وإرسالنا له به
مبارك أي : كثير الخير ثابت الأمر ، لا يقدر أحد من الخلق على إنكاره لإعجازه ، لتعلم أهل الكتاب خصوصا حقيقته بتصديقه لكتابهم لأنه
مصدق الذي بين يديه أي : كله من كتبهم وغيرها ، فيكون أجدر لإيمانهم به ، وتعلم جميع أهل الأرض عموما ذلك بذلك وبإعجازه
ولتنذر أي : به
أم القرى أي :
مكة ؛ لأنها أعظم المدن بما لها من الفضائل
ومن حولها ممن لا يؤمن بالآخرة فهو لا يؤمن به من أهل الأرض كلها من جميع البلدان والقرى ؛ لأنها أم الكل ، وهم في ضلالتهم مفرطون
والذين يؤمنون بالآخرة أي : فيهم قابلية الإيمان بها على ما هي عليه ، من أهل أم القرى ومن حولها بكل خير ينشرون
يؤمنون به أي : بالكتاب بالفعل لأن الإيمان بها داع إلى كل خير بالخوف والرجاء ، والكفر بها حامل على كل بشر .
ولما تكرر وصف المنافقين بالتكاسل عن الصلاة جعل المحافظة عليها علما على الإيمان فقال :
وهم على صلاتهم يحافظون أي : يحفظونها غاية الحفظ ، فالآية من عجيب فن الاحتباك : ذكر الإندار والأم أولا دالا على حذفهما ثانيا ، وإثبات الإيمان والصلاة ثانيا دليل على نفيهما أولا .