ولما ثبت أنه لا كفؤ له بما ذكر من صفاته وأفعاله ، وبين فساد أقوال المشركين ، وفصل مذاهبهم على أحسن الوجوه ، وبين فساد كل واحد منها بأمتن الحجج ، فثبت بذلك ما افتتح السورة به من إحاطته بصفات الكمال - قال مشيرا إلى ذلك كله بمبتدإ خبر بعده أخبار :
ذلكم أي : العالي الأوصاف جدا الذي لا حاجة له إلى شيء ، وكل شيء محتاج إليه
الله أي : الذي له كل كمال
ربكم أي : الموجد لكم والمحسن بجميع أنواع الإحسان ، فهي فذلكة ما قبلها وثمرته ؛ لأن من اتصف بذلك كان هو رب الكل وحده [والخالق للجميع واستحق العبادة وحده] فلذا أتبع ذلك قوله :
لا إله إلا هو لأن المقام للتوحيد اللازم للإحاطة بأوصاف الكمال التي هي معنى الحمد المفتتح به السورة ، وساق قوله :
خالق كل شيء الذي هو مطلع ما بعده مساق التعليل دليلا على ذلك ،
[ ص: 219 ] فلما أقام الدليل سبب عنه الأمر بالعبادة ، فقال :
فاعبدوه أي : وحده ؛ لأن من أشرك به لم يعبده ؛ لأنه الغنى المطلق ، ومن كان له الغنى المطلق لا يحسن أن يقبل مشركا ، وختم الآية بقوله :
وهو ولما كان المقام لنفي احتياجه إلى شيء ، قدم قوله :
على كل شيء وكيل إشارة إلى أن الولد أو الشريك إنما يحتاجه العاجز المفتقر ، وأما هو فهو القادر ، ومن سواه عاجز ، وهو الغني ومن سواه فقير ، فكيف يحتاج القدير [الغني] إلى العاجز الفقير ، هذا ما لا يكون ، ولا ينبغي أن يتخيله الظنون ، وفيه إشارة إلى أن العابد ينبغي أن يتفرغ لعبادته ويقطع أموره عن غير وكالته ، فإنه يكفيه بفضله عمن سواه .