ولما كان التقدير التفاتا إلى مقام العظمة إعلاما بأن القضاء كله بيده لئلا يظن نقص في نفوذ الكلمة : فانظروا ما صرفنا لكم في هذه السورة من الآيات وأوضحنا بها من شريف الدلالات ، لقد أتينا فيها بعجائب التصاريف وكشفنا عن غرائب التعاريف ، عطف عليه قوله :
[ ص: 224 ] وكذلك أي : ومثل هذا التصريف العظيم
نصرف أي : ننقل جميع
الآيات من حال إلى حال في المعاني المتنوعة سالكين من وجوه البراهين ما يفوت القوى ويعجز القدر لتحير ألباب المارقين وتنطلس أفكار المانعين ، علما منهم بأنهم عجزة عن الإتيان بما يدانيها [فتلزمهم الحجة]
وليقولوا اعتداء لا عن ظهور عجزهم
درست أي : غيرك من أهل الكتاب أو غيرهم في هذا حتى انتظم لك هذا الانتظام وتم لك هذا التمام ، فيأتوا ببهتان بين عواره ظاهرة أسراره ، مهتوكة أستاره ، فيكونوا كأنهم قالوا : إنك أتيت به عن علم ونحن جاهلون لا نعلم شيئا ، فيعلم كل موفق أنهم ما رضوه لأنفسهم مع ادعاء الصدق والمنافسة في البعد عن أوصاف الكذب إلا لفرط الحيرة وتناهي الدهشة وإعواز القادح ، والحاصل أنه أتى به على هذا المنهاج الغريب والأسلوب العجيب ليعمى ناس عن بينة ويبصر آخرون ، وهم المرادون بقوله :
ولنبينه أي : القرآن لأنه المراد بالآيات المسموعة
لقوم يعلمون أي : أن المراد من الإبلاغ في البيان أن يزداد الجهلة به جهلا ، ويهتدي من كان للعلم أهلا ، فلا يقولون : ( درست) بل يقولون : إنه من عند الله ، فالآية من الاحتباك : إثبات ادعاء المدارسة أولا يدل على نفيها
[ ص: 225 ] ثانيا ، وإثبات العلم ثانيا يدل على عدمه أولا ، وهي من معنى
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا