ولما طال التنفير عما اتخذ من دونه من الأنداد والبنات ؛ لأنها أقل من ذلك وأحقر - كان ذلك ربما كان داعية إلى سبها ، فنهى عنه لمفسدة يجرها السب كبيرة جدا ، فقال عاطفا على قوله
وأعرض عن المشركين غير مواجه له وحده - صلى الله عليه وسلم - إكراما له :
ولا تسبوا ولما كانت الأصنام لا تعقل ، وكان المشركون
[ ص: 227 ] يزعمون بها العقل والعلم ، ويسندون إليها الأفعال ، أجرى الكلام على زعمهم لأنه في الكف عنها ، فقال :
الذين يدعون أي : دعاء عبادة من الأصنام أو غيرهم بذكر ما فيهم من النقص ، ثم بين دفعا لتوهم إكرامهم أنهم في سفول بقوله :
من دون الله أي : الملك الأعلى الذي لا كفؤ له عدلا ، بعلم منكم بما لهم من المعايب ، بل أعرضوا عن غير دعائهم إلى الله حتى عن سب آلهتهم بما تستحقه ، فإنا زينا لهم أعمالهم فغرقوا مع غزارة عقولهم فيما لا يرتضيه عاقل ، وكذبوا بجميع الآيات الموجبة للإيمان ، فربما جرهم سبكم لها - لما عندهم من حمية الجاهلية - إلى ما لا يليق
فيسبوا أي : فيتسبب عن ذلك أن يسبوا
الله أي : الذي تدعونه وله الإحاطة بصفات الكمال ، وأظهر تصريحا بالمقصود وإعظاما لهذا وتهويلا له وتنفيرا منه .
ولما كان الخنو يوجب الإسراع - أشار إليه - سبحانه - بقوله :
عدوا أي : جريا إلى السب; ولما كان العدو قد يكون مع علم ، قال مبينا لأنه يراد به مع الإسراع أنه مجاوز للحد :
بغير علم لأنا زينا لهم عملهم ، فالطاعة إذا استلزمت وجود منكر عظيم احترز منه ولو أدى الحال إلى تركها وقتا ما ، لتحصل القوة على دفع ذلك المنكر ، فحكم الآية باق وليس بمنسوخ .
[ ص: 228 ] ولما كان ذلك شديدا على النفس ضائقا به الصدر ، اقتضى الحال أن يقال : هل هذا التزيين مختص بهؤلاء المجرمين أم كان لغيرهم من الأمم مثله؟ فقيل :
كذلك أي : بل كان لغيرهم ، فإنا مثل ذلك التزيين الذي زينا لهؤلاء
زينا لكل أمة أي : طائفة عظيمة مقصودة
عملهم أي : القبيح الذي أقدموا عليه بغير علم بما خلقه في قلوبهم من المحبة له ، ردا منا لهم بعد العقل الرصين أسفل سافلين ، حتى رأوا حسنا ما ليس بالحسن لتبين قدرتنا; فكان في ذلك أعظم تسلية وتأسية وتعزية ، والآية من الاحتباك : إثبات
بغير علم أولا دال على حذفه ثانيا ، وإثبات التزيين ثانيا دليل على حذفه أولا .
ولما كان - سبحانه - طويل الأناة عظيم الحلم ، وكان الإمهال ربما كان من جهل بعمل العاصي - نفى ذلك بقوله :
ثم أي : بعد طول الإمهال
إلى ربهم أي : المحسن إليهم بالحلم عنهم وهم يتقوون بنعمه على معاصيه ، لا إلى غيره
مرجعهم أي : بالحشر الأعظم
فينبئهم أي : يخبرهم إخبارا عظيما بليغا
بما أي : بجميع ما
كانوا يعملون أي : على سبيل التجدد والاستمرار بما في جبلاتهم من الداعية إليه [وإن ادعوا أنهم عاملون على مقتضى العلم] .