ولما دل على كونه حقا من عند الله بعلم أهل الكتاب صريحا وأهل اللسان تلويحا ، دل عليه بوجه آخر شهودي ، وهو أنه ما قال شيئا إلا كان على وفق ما قال ، وأنه لم يستطع - ولا يستطيع أحد - منع شيء مما أخبر به ولا تعويقه ساعة من نهار ولا أقل ولا أكثر
[ ص: 238 ] بقوله تعالى مظهرا في موضع الإضمار ، لتذكيره - صلى الله عليه وسلم - بما له - سبحانه - من الإحسان ، والتنبيه على ما يريد به من التشريف والإكرام :
وتمت أي : نفذت وتحققت
كلمة ربك أي : المحسن إليك المدبر لأمرك حال كونها
صدقا أي : لا يقدر أحد أن يبدي في شيء منها حديثا بتخلف ما عن مطابقة الواقع .
ولما كان الصدق غير مناف للجور - قال :
وعدلا ولما كان الصدق العدل قد لا يتم معه مراد القائل ، ولا ينفذ فيه كلام الآمر لمنع من هو أقوى منه ، أخبر أنه لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ، تصريحا بما أفهم مطلع الآية من التمام ، وأظهر موضع الإضمار تعميما وتبركا وتلذيذا فقال :
لا مبدل لكلماته أي : من حيث إنها كلماته مطلقا من غير تخصيص بنوع ما ، بل كل ما أخبرت به فهو كائن لا محالة ، رضي من رضي وسخط من سخط .
ولما كان المغير لشيء إنما يتم له ما يريد من التغيير بكون المغير عليه لا يعلم الأسباب المنجحة لما أراد ليحكمها ، والموانع العائقة ليبطلها - قال عاطفا على ما تقديره : فهو العزيز الحكيم :
وهو أي : لا غيره
السميع أي : البالغ السمع لجميع ما يمكن سمعه من الأقوال والأفعال
العليم أي : البالغ العلم لجميع ذلك ، فهو إذن الكامل القدرة النافذ الأمر في جميع الأسباب والموانع ، فلا يدع أحدا يغير شيئا منها وإن
[ ص: 239 ] دلس أو شبه .