ولما كان قوله :
طاعم نكرة في سياق النفي ، يعم كل طاعم من أهل شرعنا وغيرهم ، وكان - سبحانه - قد حرم على اليهود أشياء غير ما تقدم - اقتضت إحاطة العلم أن قال مبينا لإحاطة علمه وتكذيبا لليهود في قولهم : لم يحرم الله علينا شيئا ، إنما حرمنا على أنفسنا ما حرم إسرائيل على نفسه :
وعلى الذين هادوا أي : اليهود
حرمنا بما لنا من العظمة التي لا تدافع
كل ذي ظفر أي : على ما هو - كالإصبع للآدمي - من الإبل والسباع والطيور التي تتقوى بأظفارها
ومن البقر والغنم أي : التي هي ذوات الأظلاف
حرمنا أي : بما لنا من العظمة
عليهم شحومهما أي : الصنفين ، ثم استثنى فقال :
إلا ما حملت ظهورهما أي : من الشحوم مما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما
أو الحوايا وهي الأمعاء التي هي متعاطفة متلوية ، جمع حوية فوزنها فعائل كسفينة وسفائن ، وقيل : جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء
أو ما اختلط أي : [من] الشحوم
[ ص: 309 ] بعظم مثل شحم الألية فإن ذلك لا يحرم ، وهذا السياق بتقدم الجار وبناء الكلام عليه يدل على أن ما عدا المذكور من الصنفين حلال لهم .
ولما كان كأنه قيل : لم حرم عليهم هذه الطيبات؟ قيل :
ذلك أي : التحريم العظيم والجزاء الكبير [وهو تحريم الطيبات]
جزيناهم أي : بما لنا من العظمة
ببغيهم أي : في أمورهم التي تجاوزوا فيها الحدود ، [و] في إيلاء هذه الآية - التي فيها ما حرم على اليهود - لما قبلها مع الوفاء بالمقصود من حصر محرمات المطاعم على هذه الأمة وغيرها أمران جليلان : أحدهما بيان اطلاعه - صلى الله عليه وسلم - على تفصيل ما أوحي إلي من تقدمه ولما يشامم أحدا من أتباعهم ولا دارس عالما ولا درس علما قط ، فلا دليل على صدقه على الله أعظم من ذلك ، والثاني تفضيله هذه الأمة بأنه أحل لها الخبائث عند الضرورة رحمة لهم ، وأزال عنها في تلك الحالة ضرها ولم يفعل بها كما فعل باليهود في أنه حرم عليهم طائفة من الطيبات ولم يحلها لهم في حال من الأحوال عقوبة لهم ، وفي ذلك أتم تحذير لهذه الأمة من أن يبغوا فيعاقبوا كما عوقب من قبلهم على ما نبه عليه في قوله
غير محلي الصيد وأنتم حرم فبان الصدق وحصحص الحق ولم يبق لمتعنت كلام ، فحسن جدا ختم ذلك بقوله :
وإنا لصادقون أي : ثابت صدقنا أزلا وأبدا كما اقتضاه ما لنا من العظمة ،