[ ص: 14 ] ولما كانت هذه الآيات كلها كالدليل على قوله تعالى : " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " - " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله " ، كانت فذلكة ذلك قوله تعالى :
أولئك أي : البعداء البغضاء ،
الذين اشتروا أي : لجوا فأخذوا ،
الحياة الدنيا على خساستها ،
بالآخرة مع نفاستها ، والدنيا فعلى من الدنو وهو الأنزل رتبة ، في مقابلة عليا ، ولأنه لزمتها العاجلة صارت في مقابلة الأخرى اللازمة للعلو ، ففي الدنيا نزول قدر وتعجل ، وفي الأخرى علو قدر وتأخر ، فتقابلتا على ما يفهم تقابلين من معنى كل واحدة منهما ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي . [فالآية من الاحتكاك ، ذكر الدنيا أولا يدل على حذف العليا ثانيا ، وذكر الآخرة ثانيا يدل على حذف العاجلة أولا ] .
فلا أي : فتسبب عن ذلك أنه لا
يخفف من التخفيف وهو
[ ص: 15 ] مصير الثقيل والمستفل إلى حال الطافي المستعلي كحال ما بين الحجر والهواء ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
عنهم العذاب في واحدة من الدارين ،
ولا هم ينصرون وهو أيضا من أعظم الأدلة على خذلان من غزا لأجل المغنم أو غل ، وقد ورد في كثير من الأحاديث والآثار التصريح بذلك ، منها ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب" ، وهو أيضا شرع قديم ; ففي سفر
يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام أنه لما فتح مدينة
أريحا بعد موت
موسى عليه السلام بعث إلى مدينة عاي ثلاثة آلاف مقاتل ليفتحوها ، فقتل منهم أهل عاي جماعة وهزموهم ، فاضطربت قلوبهم وصارت كالماء ، فسجد
يوشع على الأرض أمام تابوت الرب هو ومشيخة بني إسرائيل ، فقال له الرب : انهض قائما ، وأخبره أن قومه قد غلوا فلا يقدرون الآن أن يثبتوا لأعدائهم حتى ينحوا الحرام عنهم ، وقال الله له : وإذا كان غد فقدموا أسباطكم ليقترعوا ، والسبط الذي تصيبه قرعة الرب تتقدم عشائره ، والعشيرة التي تصيبها القرعة تتقدم بيوتاتها ، والبيت الذي يصيبه قرعة الرب
[ ص: 16 ] ويصاب الحرام عنده يحرق بالنار هو وكل شيء له ، لأنه تعدى على أمر الرب ولأنه أثم بإسرائيل ; ففعل ما أمره الرب ، فأصابت القرعة
عاجار بن كرمى من سبط
يهودا ، فأحضره وبنيه وبناته ومواشيه وخيمته وكل من كان له ، فأصعدهم إلى غور
عاجار ، ورجمهم جميع بني إسرائيل بالحجارة ، وأحرقوهم بالنار ، وجعلوا فوقه تلا من الحجارة الكبار إلى اليوم ، ولذلك دعي اسم ذلك الموضع غور عاجار إلى اليوم ، ثم أتوا من الغد إلى عاي فقتلوا جميع من فيها من بني آدم الذكور والإناث وأحرقوها .