ولما بين لهم أنهم
نقضوا العهود فأحاطت بهم الخطايا فاستحقوا الخلود في النار توقع السائل الإخبار عن سبب وقوعهم في ذلك هل هو جهل أو عناد فبشع سبحانه ذلك عليهم بما افتتحه بحرف التوقع فقال :
ولقد [ ص: 17 ] باللام التي هي توكيد لمضمون الكلام ، و "قد" هي لوقوع مرتقب مما كان خبرا أو مما سيكون علما ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
آتينا [أي-2 ] : بعظمتنا
موسى الكتاب أي : نقضتم تلك العهود مع أن عندكم فيها كتاب الله التوراة تدرسونه كل حين ، فلم ندعكم هملا بعد
موسى عليه السلام بل ضبطنا أمركم بالكتاب ،
وقفينا من التقفية وهي متابعة شيء شيئا كأنه يتلو قفاه ، وقفاء الصورة منها خلفها المقابل للوجه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
من بعده أي : بعد
موسى ،
بالرسل أي : ثم لم نقتصر على الضبط بالكتاب الذي تركه فيكم
موسى بل واترنا من بعده إرسال الرسل
[ ص: 18 ] مواترة ، وجعلنا بعضهم في قفاء بعض ليجددوا لكم أمر الدين ويؤكدوا عليكم العهود والرسالة انبعاث أمر من المرسل إلى المرسل إليه ،
وآتينا بما لنا من العظمة ،
عيسى اسم معرب ، أصله
يسوع ،
ابن مريم الذي أرسلناه لنسخ بعض التوراة وتجديد ما درس من بقيتها ،
البينات من الآيات العظيمة التي لا مرية فيها لذي عقل ، والبينة من القول والكون ما لا ينازعه منازع لوضوحه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
وأيدناه أي :
[ ص: 19 ] قويناه على ذلك كله ، من التأييد وهو من الأيد وهو القوة ، كأنه يأخذ معه بيده في الشيء الذي يقويه فيه ، كأخذ قوة المظاهرة من الظهر ، لأن الظهر موضع قوة الشيء في ذاته ، واليد موضع قوة تناوله لغيره ، قاله الحرالي .
بروح القدس أي : الروح الطاهر وهو
جبريل عليه السلام ، كما أيدنا به غيره من أولي العزم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : والروح لمحة من لمحات أمر الله ، وأمر الله قيوميته في كلية خلقه ملكا وملكوتا ، فما هو قوام الخلق كله ملكا وملكوتا هو الأمر
ألا له الخلق والأمر وما هو قوام صورة من جملة الخلق هو الروح الذي هو لمحة من ذلك الأمر ; ولقيام عالم الملكوت وخصوصا جملة العرش بعالم الملك وخصوصا أمر الدين الباقي سماهم الله روحا ، ومن أخصهم روح القدس ، والقدس :
[ ص: 20 ] [ ص: 21 ] الطهارة العلية التي لا يلحقها تنجس على ما تقدم ، ومن أخص الروح به
جبريل عليه السلام بما له من روح الأمر الديني ،
وإسرافيل عليه السلام بما له من روح النفخ الصوري ، انتهى . وقد كان
لعيسى عليه السلام بالروح مزيد اختصاص لكثرة ما أحيا من الموتى ; والمعنى : فعلنا بكم يا بني إسرائيل ذلك ولم تزالوا في عهد جميع من ذكر ناقضين للعهود ، فلا أحد أحق منكم بالخلود في النار ، ثم جاء
محمد صلى الله عليه وسلم فلم تصدقوه .
ذكر شيء من الإنجيل يدل على أنه عليه السلام أتى بالبينات مع تأييده بروح القدس مستخلصا من الأناجيل الأربعة وقد جمعت بين ألفاظها ، قال
متى - ومعظم السياق له- : فلما سمع
يسوع أن
يوحنا -يعني : يحيى بن زكريا عليهما السلام- قد أسلم يعني : خذله أصحابه- مضى إلى
الجليل وترك
الناصرة وجاء وسكن
كفرناحوم التي على ساحل البحر في تخوم زابلون وبغتاليم ليكمل ما قيل في أشعيا النبي إذ يقول : أرض زابلون أرض بغتاليم طريق البحر عبر
الأردن جليل الأمم الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورا عظيما الجلوس في الكورة وظلال الموت نورا أشرق عليهم ، ومن ذلك الزمان
يسوع يكرز ويقول : توبوا فقد اقتربت ملكوت السماوات . وقال
مرقس : ومن بعد حبس
يوحنا وافى
يسوع إلى الجليل يكرز بإنجيل
[ ص: 22 ] ملكوت الله قائلا : قد كمل الزمان وقربت ملكوت الله ! فتوبوا وآمنوا بالإنجيل . قال
متى : وكان يمشي على بحر
الجليل فأبصر أخوين
سمعان الذي يدعى
بطرس وأندراوس أخاه يلقيان شباكهما في البحر لأنهما كانا صيادين ، فقال لهما : اتبعاني أجعلكما تكونان صيادي الناس ، وللوقت تركا شباكهما وتبعاه ; وجاز من هناك فرأى أخوين آخرين
يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في سفينة مع أبيهما
زبدي يصلحون شباكهم فدعاهما ، فللوقت تركا السفينة وأباهما
زبدي وتبعاه ، وفي إنجيل
يوحنا بعد قصة
يحيى بن زكريا الآتية في آل عمران : هذا كان في بيت عينا في عبر
الأردن حيث كان
يوحنا يعمد ، ومن الغد نظر
يسوع مقبلا إليه فقال : هذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم ! هذا ذلك الذي قلت من أجله : إنه يأتي وهو كان قبلي لأنه أقدم مني وأنا لم أكن أعرفه لكن ليظهر لإسرائيل ، من أجل هذا جئت أنا لأعمد بالما ; وشهد
يوحنا وقال : إني رأيت الروح نزل من السماء مثل حمامة وحل عليه ولم أعرفه ، لكن من أرسلني لأعمد بالما هو الذي قال : الذي ترى الروح ينزل ويثبت عليه هو يعمد بروح القدس ، وأنا عاينت
[ ص: 23 ] وشهدت : وفي الغد كان
يوحنا واقفا واثنان من تلاميذه فنظر
يسوع فقال : هذا حمل الله ! فسمع تلميذاه كلامه فتبعا يسوع ، فالتفت
يسوع فرآهما يتبعانه فقال لهما : ماذا تريدان ؟ قالا له : ربي -الذي تأويله يا معلم- أين تكون ؟ فقال لهما : تعاليا لتنظرا ، فأتيا وأبصرا موضعه أين يكون ، وأقاما عنده يومهما ذلك وكان نحو عشر ساعات ، وإن واحدا من اللذين سمعا من
يوحنا وتبعا
يسوع كان
أندراوس أخا
سمعان وإنه أبصرا ولا
سمعان أخاه وقال له : قد وجدنا مسيا -الذي تأويله
المسيح- فجاء به إلى
يسوع ; فلما نظر إليه
يسوع ، قال له : أنت
سمعان بن يونا[ن ] الذي يدعى الصفا ، الذي تأويله
بطرس ، ومن الغد أراد الخروج إلى
الجليل فلقي
فيليس ناتاناييل ، وقاله له : الذي كتب
موسى من أجله في الناموس والأنبياء وجدناه وهو
يسوع الذي من
الناصرة ، فقال له
ناتاناييل : هل يمكن أن يخرج من
الناصرة شيء فيه صلاح ؟ فقال له
فيليس : تعال وانظر ، فلما رأى
يسوع ناتاناييل مقبلا إليه قال : من أجله هذا حقا إسرائيلي لا غش فيه ، فقال له
ناتاناييل : من أين تعرفني ؟ فقال له
يسوع : قبل أن يدعوك
فيليس وأنت تحت التينة رأيتك ، فقال له : يا معلم ! أنت هو ملك إسرائيل ، قال له
يسوع : لأني قلت لك
[ ص: 24 ] إني رأيتك تحت التينة آمنت سوف تعاين ما هو أعظم من هذا ، وقال له : الحق الحق أقول لكم ، إنكم من الآن ترون السماء مفتحة ، وملائكة الله ينزلون ويصعدون على ابن البشر . وفي اليوم الثالث كان عرش في
قانا الجليل وكانت
أم يسوع هناك ودعي
يسوع وتلاميذه إلى العرش وكان الخمر قد فرغ ، فقالت
أم يسوع له : ليس لهم خمر ، فقال لها
يسوع : ما لي ولك أيتها المرأة لم تأت ساعتي بعد ؟ فقالت أمه للخدام : افعلوا ما يأمركم به ، وكان هناك ستة أجاجين من حجارة موضوعة لتطهير اليهود تسع كل واحدة مطرين أو ثلاثة ، فقال لهم
يسوع : املأوا الأجاجين ماء ، فملأوها إلى فوق ، وقال لهم : اغرفوا الآن وناولوا رئيس السقاة ، فلما ذاق رئيس السقاة ذلك الماء المتحول خمرا لم يعلم من أين هو ، فدعا رئيس السقاة العريس وقال له : كل إنسان إنما يأتي بالشراب الجيد أولا فإذا سكروا عند ذلك يأتي بالدون وأنت أبقيت الجيد إلى الآن ! هذه الآية الأولى التي فعلها
يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده وآمن به تلاميذه .
وبعد هذا انحدر إلى
كفرناحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه فأقاموا هناك أياما يسيرة ; ثم قال : وعلم السيد
يسوع أن الفريسيين سمعوا أنه قد اتخذ تلاميذ كثيرة ، وأنه يعمد أكثر من
يوحنا إذ ليس هو يعمد بل
[ ص: 25 ] تلاميذه فترك اليهودية ومضى إلى
الجليل ، وكان قد أزمع أن يعبر على موضع السامرة ، فأقبل إلى مدينة
السامرة التي تسمى
بسوخار إلى جانب القرية التي كان
يعقوب وهبها
ليوسف ابنه وكان هناك بئر
يعقوب وكان
يسوع قد عيي من تعب الطريق ، فجلس على البئر في ست ساعات ، فجاءت امرأة من السمرة تستقي ماء ، فقال لها
يسوع : أعطيني أشرب -وكان تلاميذه قد دخلوا إلى المدينة ليبتاعوا لهم طعاما- فقالت له تلك المرأة : كيف وأنت يهودي تستقي الماء وأنا امرأة سامرية واليهود لا يختلطون بالسامرة ! أجاب
يسوع وقال لها : لو كنت تعرفين عطية الله ومن هذا الذي قال لك : ناوليني أشرب ، لكنت أنت تسألينه أن يعطيك ماء الحياة ! قالت المرأة : يا سيد ! إنه لا دلو لك والبئر عميقة فمن أين لك ماء الحياة ؟ لعلك أعظم من أبينا
يعقوب الذي أعطانا هذه البئر ومنها شرب هو وبنوه وماشيته ! فقال لها : كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا ، فأما من يشرب من الماء الذي أعطيه لا يعطش إلى الأبد ، قالت المرأة : يا سيد ! أعطني من هذا الماء لئلا أعطش ، ولا أجيء ، ولا أستقي من ها هنا ، فقال : انطلقي وادعي زوجك وتعالي إلى ها هنا ، قالت : ليس لي زوج ، قال لها : حسنا قلت :
[ ص: 26 ] إنه لا بعل لي ، لأنه قد كان لك خمسة بعولة والذي هو لك الآن ليس هو زوجك ، أما هذا فحقا قلت ، قالت : يا سيد ! إني أرى أنك نبي ، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون : إنه
ياروشليم المكان الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال : أيتها المرأة ! آمني به ، إنه ستأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في يروشليم يسجدون للأب ، أنتم تسجدون لما لا تعلمون ونحن نسجد لما نعلم ، لكن ستأتي ساعة وهي الآن لكيما الساجدون المحقون يسجدون بالروح والحق ، والرب إنما يريد مثل هؤلاء الساجدين ، والذين يسجدون له بالروح والحق ينبغي أن يسجدوا ، قالت المرأة : قد علمت أن مسيا الذي هو
المسيح يأتي ، فإذا جاء ذاك فهو يعلمنا كل شيء ، فقال : أنا هو الذي أكلمك ، وفي هذا جاء تلاميذه وتعجبوا من كلامه مع امرأة ولم يقل أحد : ماذا تريد ولم تكلمها فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس : تعالوا انظروا رجلا أعلمني كل ما فعلت ، لعل هذا هو
المسيح ، فخرجوا من المدينة وأقبلوا نحوه ; وفي هذا سأله تلاميذه قائلين : يا معلم ! كل ، فقال : إن لي طعاما لا تعرفونه أنتم ، فقالوا فيما بينهم : لعل إنسانا وافاه
[ ص: 27 ] بشيء فطعمه ، فقال : طعامي أنا أن أعمل مسرة ، من أرسلني وأتم عمله ، أليس أنتم تقولون : إن الحصاد يأتي بعد أربعة أشهر ، وأنا قائل لكم : ارفعوا أعينكم وانظروا إلى الكور قد ابيضت وبلغت الحصاد ، والذي يحصد يأخذ الأجرة ويجمع ثمار الحياة الدائمة ، والزارع والحاصد يفرحان معا ، لأنه في هذا توجد كلمة الحق ، إن واحدا يزرع وآخر يحصد ، أنا أسألكم تحصدون شيئا ليس أنتم تعبتم فيه بل آخرون تعبوا فيه وأنتم دخلتم على تعب أولئك ; فآمن به في تلك المدينة سامريون كثيرون من أجل كلمة تلك المرأة ، ولما صار إليه السامريون طلبوا إليه أن يقيم عندهم ، فمكث عندهم يومين فآمن به كثير ، وكانوا يقولون للمرأة : لسنا من أجل قولك نؤمن به لكنا قد سمعنا وعلمنا أن هذا هو
المسيح بالحقيقة مخلص العالم .
وبعد يومين خرج
يسوع إلى
الجليل ومضى من هناك ، لأنه شهد أن النبي لا يكرم في مدينته ، ولما صار إلى
الجليل قبله الجليليون ، لأنهم عاينوا كل ما عمل بايروشليم في العيد ; ثم جاء
يسوع حيث صنع الماء خمرا وكان في
كفرناحوم عند الملك ابن مريض فسمع أن
يسوع قد جاء من
يهودا إلى
الجليل ، فمضى إليه وسأله أن ينزل ويبرئ ولده ، لأنه قد كان قارب الموت ، فقال له
يسوع : إن لم تعاينوا الآيات الأعاجيب لا تؤمنون ، فقال له الملك : انزل يا سيد
[ ص: 28 ] قبل أن يموت فتاي ، قال له
يسوع : امض فابنك حي ، فآمن الرجل بالكلمة التي قالها
يسوع ومضى ، وفيما هو ماض استقبله غلمانه وبشروه بأن ابنه قد عاش ، فسألهم : في أي وقت ؟ فقالوا له : أمس في الساعة السابعة تركته الحمى ، فعلم أبوه أنه في تلك الساعة التي قال له
يسوع فيها : إن ابنك قد حيي ، فآمن هو وبيته بأسره ; وهذه أيضا آية ثانية عملها
يسوع لما جاء من
يهودا إلى
الجليل . قال
مرقس : فأقبل إلى
كفرناحوم وبقي يعلم في مجامعهم يوم السبت ، فتعجبوا من تعليمه لأنه كان كالمسلط . قال
متى : وكان
يسوع يطوف في كل
الجليل ويعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ويبرئ كل برص ووجع في الشعب ، فخرج خبره في جميع
الشام فقدم إليه كل من به أصناف الأمراض والأوجاع المختلفة والذين بهم الشياطين والمعترين في رؤوس الأهلة والمخلعين فأبرأهم ، وتبعه جموع كثيرة من
الجليل والعشرة المدن ويروشليم واليهودية وعبر
الأردن ، فلما أبصر الجميع صعد إلى الجبل وجلس ، وجاء إليه تلاميذه وفتح فاه يعلمهم قائلا : طوبى للمساكين بالروح ! فإن لهم ملكوت السماوات ، طوبى للحزانى ! فإنهم يعزون ،
[ ص: 29 ] طوبى للمتواضعين ! فإنهم يرثون الأرض ، طوبى للجياع والعطاش من أجل البر ! فإنهم يشبعون ، طوبى للرحماء ! فإنهم يرحمون ، طوبى للنقية قلوبهم ! فإنهم يعاينون الله ، طوبى لفاعلي السلامة ! فإنهم بني الله يدعون ، طوبى للمطرودين من أجل البر ! فإن لهم ملكوت السماوات ، طوبى [لكم-3 ] إذا طردوكم وعيروكم ، وقالوا فيكم كل كلمة شر من أجلي ; افرحوا وتهللوا ، فإن أجركم عظيم في السماوات ، لأن هكذا طردوا الأنبياء الذين قبلكم .
وقال
لوقا : هكذا كان آباؤكم يصنعون بالأنبياء الويل لكم أيها الأغنياء ! لأنكم قد أخذتم عزاكم ، الويل لكم أيها الشباعى الآن ! فإنكم ستجوعون ; الويل لكم أيها الضاحكون الآن ! فإنكم ستبكون وتحزنون ، الويل لكم إذا قال الناس فيكم قولا حسنا ! لأن آباءهم كذلك فعلوا بالأنبياء الكذبة يعني : المتنبئين- وفيه من الألفاظ التي لا يجوز إطلاقها في شرعنا حمل الله والأب ، وقوله : بني الله ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آل عمران تأويل مثل هذا على تقدير صحته عنه وأنه يرد إلى المحكم على أوضح وجه مثل الألفاظ التي وردت في شرعنا ورددناها إلى المحكم ، وضل بها من حملها على ظاهرها ممن يدعي الإسلام والله الموفق .
[ ص: 30 ] ولما كان هذا حالهم مع الرسل مع أنسهم بهم ومعرفتهم بأحوالهم واتصالهم بالله وكمالهم علم أنهم في منابذتهم لهم عبيد الهوى وأسرى الشهوات ، فتسبب عن ذلك الإنكار عليهم فقال :
أفكلما أي : أفعلتم ما فعلتم من نقض العهود مع مواترة الرسل ووجود الكتاب فكلما
جاءكم رسول أي : من عند الله ربكم
بما لا تهوى أنفسكم [ ص: 31 ] من الهوى وهو نزوع النفس لسفل شهوتها في مقابلة معتلى الروح لمنبعث انبساطه ، كأن النفس ثقيل الباطن بمنزلة الماء والتراب ، والروح خفيف الباطن بمنزلة الهواء والنار ، وكأن العقل متسع الباطن بمنزلة اتساع النور في كلية الكون علوا وسفلا ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
وقد دل على أن المراد الباطل بالتعبير بالهوى والنفس
استكبرتم أي : طلبتم الكبر وأوجدتموه بما لكم من الرئاسة على قومكم عن قبول الحق ميلا إلى سنة إبليس مع إعطائكم العهد قبل ذلك على الدوام على اتباعه
ففريقا أي :
[ ص: 32 ] فتسبب عن طلبكم الكبر أنكم فريقا ،
كذبتم كعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ،
وفريقا تقتلون أي : قتلتم ولم تندموا على قتلهم بل عزمتم على مثل ذلك الفعل كلما جاءكم أحد منهم بما يخالف الهوى وهم لم يبعثوا إلا لصرف الأنفس عن الهوى ; لأن دعوة الرسول إلى الأعلى الذي هو ضد هوى النفس ; والظاهر أنه سبحانه أشار بهذه الصيغة المستقبلة إلى قتلهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسم في خيبر كما أشار إليه الحديث الماضي آنفا .