ثم سبب عن ذلك بيان حال الحاسد مع المحسودين فيما سأل الإنظار بسببه ، وأنه وقع على كثير من مراده واستغوى منه أمما تجاوزوا الحد وقصر عنهم مدى العد. ثم بين أنه أقل من أن يكون له فعل ، وأن الكل بيده - سبحانه - هو الذي جعله آلة لمراده منه ومنهم ، وأن من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ، فقال :
فوسوس أي : ألقى في خفاء وتزيين وتكرير واشتهاء
لهما الشيطان أي : بما مكنه الله منه من أنه يجري من الإنسان مجرى الدم ويلقي له في خفاء ما يميل به قلبه إلى ما يريد. ثم بين علة الوسوسة بقوله :
ليبدي أي : يظهر
لهما ما ووري أي : ستر وغطي بأن جعل كأنه وراءهما لا يلتفتان إليه
عنهما والبناء للمفعول إشارة إلى أن الستر بشيء لا كلفة عليهما فيه كما يأتي في قوله :
ينـزع عنهما لباسهما و
من سوآتهما أي : المواضع التي يسوؤهما انكشافها ، وفي ذلك أن إظهار السوءة موجب للبعد من الجنة وأن بينهما منفية الجمع وكمال التباين .
ولما أخبر بالوسوسة وطوى مضمونها مفهما أنه أمر كبير وخداع
[ ص: 373 ] طويل ، عطف عليه قوله :
وقال أي : في وسوسته أيضا ، أي : زين لهما ما حدث بسببه في خواطرهما هذا القول :
ما نهاكما وذكرهما بوصف الإحسان تذكيرا بإكرامه لهما تجزئة لهما على ما يريد منهما ، فقال :
ربكما أي : المحسن إليكما بما تعرفانه من أنواع إحسانه
عن أي : ما جعل نهايتكما في الإباحة للجنة متجاوزة عن
هذه الشجرة جمع بين الإشارة والاسم زيادة في الاعتناء بالتنصيص
إلا أن أي : كراهية أن
تكونا ملكين أي : في عدم الشهوة وفي القدرة على الطيران والتشكل وغير ذلك من خواصهم
أو تكونا أي : بما يصير لكما من الجبلة
من الخالدين أي : الذين لا يموتون ولا يخرجون من الجنة أصلا .