ولما بين سبحانه بهذا أنهم أعتى الناس وأشدهم تدليسا وبهتا بل كذبا وفسقا كانوا أحق الناس بوصف الكفر فسبب عن ذلك قوله :
فلعنة الله أي : الذي له الأمر كله ،
على الكافرين فأظهر موضع الإضمار تعليقا للحكم بالوصف ليعم وإشعارا بصلاح من شاء الله منهم . ولما استحقوا بهذا وجوه المذام كلها وصل به قوله :
بئسما فأتى بالكلمة الجامعة للمذام المقابلة لنعم الجامعة لوجوه المدائح كلها أي :
[ ص: 44 ] بئس شيء
اشتروا به أنفسهم أي : حظوظهم ، فقدموها وآثروها فكان ذلك عين فأخبرها عكس ما فعل المؤمنون من بيعهم لأنفسهم وخروجهم عنها بتعبدهم لله بإيثار ما يرضيه على هوى أنفسهم ، فكان ذلك عين تحصيلها وتقديمها ، ثم فسر الضمير العائد على المبهم المأخوذ في إحراز النفس فقال :
أن يكفروا أي : يستروا على التجدد والاستمرار علمهم ،
بما أنـزل الله الذي لا كفؤ له ، أي : اشتروا أنفسهم فأبقوها لهم على زعمهم بالكفر ولم يجعلوها تابعة ; ويجوز أن يكون "اشتروا" بمعنى : باعوا ، لأنهم بذلوها للشيطان بالكفر كما بذل المؤمنون أنفسهم لله بالإيمان .
ثم علل كفرهم بقوله :
بغيا أي : حسدا وظلما لأن تكون النبوة في بني
إسماعيل عليه السلام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : هو اشتداد في
[ ص: 45 ] طلب شيء ما ، انتهى .
وأصله : مطلق الطلب والإرادة ، كأن الإنسان لما كان مجبولا على النقصان ومطبوعا على الشر والعصيان إلا من عصم الله وأعان كان مذموما على مطلق الإرادة ، لأن من حقه أن لا تكون له خيرة ولا إرادة بل تكون إرادته تابعة لإرادة مولاه كما هو شأن العبد ، والله الموفق .
ثم علل بغيهم بقوله :
أن ينـزل الله ذو الجلال والإكرام
من فضله وفي صيغة "ينزل" إشعار بتمادي ما يغيظهم فيما يستقبل ، وبشرى للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين
على من يشاء من عباده من العرب الذين حسدوهم ، ثم سبب عن ذلك قوله
فباءوا أي : رجعوا لأجل ذلك ،
بغضب في حسدهم لهذا النبي صلى الله عليه وسلم لكونه من العرب ،
على غضب كانوا استحقوه بكفرهم بأنبيائهم عنادا ، ثم علق الحكم الذي استحقوه بوصفهم تعميما
[ ص: 46 ] وإشارة إلى أنه سيؤمن بعضهم فقال :
وللكافرين أي : الذين هم راسخون في هذا الوصف منهم ومن غيرهم ،
عذاب مهين من الإهانة وهي الإطراح إذلالا واحتقارا .