ولما وصف الكتاب] وذكر المنتفع به ، تشوفت النفس إلى السؤال عن حال من لا يؤمن به وهم الجاحدون - فقال مشيرا إلى أن حالهم في وقوفهم عن المتابعة بعد العلم بصدقه بعجزهم عنه كحال من
[ ص: 411 ] ينتظر أن يأتي مضمون وعيده :
هل ينظرون أي : ينتظرون ، ولكنه لما لم يكن لهم قصد في ذلك بغير ما يفهمه الحال - جرد الفعل ولإفادة أنه بتحقيق إتيانه في غاية القرب حتى كأنه مشاهد لهم
إلا تأويله أي : تصيير ما فيه من وعد ووعيد إلى مقاره وعواقب أمره التي أخبر أنه يصير إليها .
ولما كان كأنه قيل : ما يكون حالهم حينئذ؟ قال : التحسر والإذعان حيث لا ينفع ، والتصديق والإيمان حين لا يقبل ، وعبر عن ذلك بقوله :
يوم يأتي تأويله أي : بلوغ وعيده إلى مبلغه في الدنيا أو في الآخرة. ولما قدم اليوم اهتماما به أتبعه العامل فيه فقال :
يقول الذين نسوه أي : تركوه ترك المنسي ، ويجوز أن يكون عد ذلك نسيانا لأنه ركز في الطباع أن كل ملك لا بد له من عرض جنده ومحاسبتهم ، فلما أعرضوا عن ذلك فيما هو من جانب الله عده نسيانا منهم لما ركز في طباعهم .
ولما كان نسيانهم في بعض الزمان السابق ، أدخل الجار فقال
من قبل أي : قبل كشف الغطاء محققين للتصديق
قد جاءت أي : فيما سبق من الدنيا
رسل ربنا أي : المحسن إلينا
بالحق أي : المطابق لهذا الواقع الذي نراه مما كانوا يتوعدوننا به ، فما صدقوا حتى رأوا
[ ص: 412 ] فلم يؤمنوا بالغيب ولا أوقعوا الإيمان في دار العمل فلذا لم ينفعهم .
ولما وصفوه - سبحانه - بالإحسان لما كشف الحال عنه من حلمه وطول أناته ، سببوا عن ذلك قولهم :
فهل لنا من شفعاء أي : في هذا اليوم ، وكأنهم جمعوا الشفعاء لدخولهم في جملة الناس في الشفاعة العظمى لفصل القضاء. ثم سببوا عن ذلك تحقيق كونهم لهم أي : بالخصوص فقالوا
فيشفعوا لنا أي : سواء كانوا من شركائنا الذين كنا نتوهم فيهم النفع أو من غيرهم ليغفر لنا ما قدمنا من الجرائم
أو نرد أي : إن لم يغفر لنا إلى الدنيا التي هي دار العمل ، والمعنى : أنه لا سبيل لنا إلى الخلاص إلا أحد هذين السببين. ثم سببوا عن جواب هذا الاستفهام الثاني قولهم :
فنعمل أي : في الدنيا
غير الذي كنا أي : بجبلاتنا من غير نظر عقلي
نعمل
ولما كان من المعلوم عند من صدق القرآن وعلم مواقع ما فيه من الأخبار أنه لا يكون لهم شيء من ذلك - كانت نتيجته قوله :
قد خسروا أنفسهم أي : فلا أحد أخسر منهم
وضل أي : غاب وبطل
عنهم ما كانوا أي : جبلة وطبعا ، لا يمكنهم الرجوع عنه إلا عند رؤية البأس
يفترون أي : يتعمدون في الدنيا من الكذب
[ ص: 413 ] في أمره لقصد العناد للرسل من ادعاء أن الأصنام تشفع لهم ومن غير ذلك من أكاذيبهم .