آ. (185) قوله تعالى:
وأن عسى : "أن" فيها وجهان أحدهما: وهو الصحيح أنها المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الأمر والشأن. و "عسى" وما في حيزها في محل الرفع خبرا لها، ولم يفصل هنا بين أن والخبر وإن كان فعلا; لأن الفعل الجامد الذي لا يتصرف يشبه الأسماء، ومثله
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، والخامسة أن غضب الله عليهآ في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع لأنه دعاء. وقد وقع خبر "أن" جملة طلبية في هاتين الآيتين الأخيرتين فإن "عسى" للإنشاء، و "غضب الله" دعاء.
والثاني: أنها المصدرية، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء يعني التي تنصب المضارع الثنائية الوضع، وهذا ليس بجيد; لأن النحاة نصوا على أن "أن" المصدرية لا توصل إلا بالفعل المتصرف مطلقا أي ماض ومضارع وأمر و "عسى" لا يتصرف فكيف يقع صلة لها؟ و "أن" على كلا الوجهين في محل جر نسقا على "ملكوت"، أي: وألم ينظروا في أن الأمر والشأن عسى أن يكون. و
"أن يكون" فاعل عسى، وهي حينئذ تامة لأنها متى رفعت أن وما في حيزها كانت تامة، ومثلها في ذلك أوشك واخلولق. وفي اسم
[ ص: 527 ] "يكون" قولان، أحدهما: هو ضمير الشأن، ويكون
"قد اقترب أجلهم" خبرا لها. والثاني: أنه "أجلهم" و "قد اقترب" جملة من فعل وفاعل هو ضمير "أجلهم" ولكن قدم الخبر وهو جملة فعلية على اسمها، وقد تقدم ذلك والخلاف فيه: وهو أن
ابن مالك يجيزه،
وابن عصفور يمنعه، عند قوله:
ما كان يصنع فرعون .
قوله: " فبأي " متعلق بـ " يؤمنون " وهي جملة استفهامية سيقت للتعجب، أي: إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث فكيف يؤمنون بغيره؟ والهاء في "بعده" تحتمل العود على القرآن وأن تعود على الرسول، ويكون الكلام على حذف مضاف، أي: بعد خبره وقصته، وأن تعود على "أجلهم"، أي: إنهم اذا ماتوا وانقضى أجلهم فكيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم؟ قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: فإن قلت: بم تعلق قوله:
"فبأي حديث بعده يؤمنون"؟ قلت: بقوله
"عسى أن يكون قد اقترب أجلهم" . كأنه قيل: لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون [إلى] الإيمان بالقرآن قبل الموت، وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق، وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا"؟ يعني التعلق المعنوي المرتبط بما قبله لا الصناعي وهو واضح.
قوله: "ويذرهم" قرأ الأخوان بالياء وجزم الفعل،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو بالياء أيضا ورفع الفعل،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بالنون ورفع الفعل أيضا.
وقد روي الجزم أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو في الشواذ. فالرفع من وجه واحد
[ ص: 528 ] وهو الاستئناف أي: وهو يذرهم، أو: ونحن نذرهم على حسب القراءتين. وأما السكون فيحتمل وجهين أحدهما: أنه جزم نسقا على محل قوله
"فلا هادي له" لأن الجملة المنفية جواب للشرط فهي في محل جزم فعطف على محلها وهو كقوله تعالى:
وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر بجزم "يكفر"، وكقول الشاعر:
2350 - أنى سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي أيضا قول الآخر:
2351 - فأبلوني بليتكم لعلي أصالحكم وأستدرج نويا
قال: حمل "أستدرج" على موضع الفاء المحذوفة من قوله "فلعلي أصالحكم" . والثاني: أنه سكون تخفيف كقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو: ينصركم و يشعركم ونحوه. وأما الغيبة فجريا على اسم الله تعالى، والتكلم على الالتفات من الغيبة إلى التكلم تعظيما.